تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأبنوس، وسن الفيل لصناعة العاج، الذي يستخدم في الزينة، وريش النعام، والحديد الذي يستخرج ويصهر بالقرب من نباتا ومروى (47)، وكانت ترد إلى النوبة المنسوجات، والقمح، والنحاس من مصر (48).

وحين وقّع عبد الله بن سعد عهد الصلح مع ولاة النوبة نص صراحة على حق الترحال لرعايا البلدين في البلد الآخر دون الإقامة الدائمة؛ فساق هذا الحق التجار المسلمون إلى أعماق النوبة مع بضاعتهم، وتجارتهم، وعقيدتهم الإسلامية، واستطاعوا بما اكتسبوا من معرفة بأحوال البلاد تمهيد الطريق لهجرة القبائل العربية في أعداد كبيرة، بل نجد أن أعداداً منهم قد استقرت في فترة مبكرة في (سوبا) عاصمة مملكة علوة النصرانية جنوب المقرة، حتى أصبح لهم حي كامل يُعرف بهم (49)؛ ومن الدوافع الاقتصادية كذلك التي ساهمت في دفع القبائل العربية للهجرة نحو جنوب مصر في النصف الأول من القرن الثالث الهجري سماع القبائل بمعدني: (الذهب، والزمرد) عبر الصحراء الشرقية لبلاد النوبة، واشتهار أمرهما لا سيما في وادي العلاقي من أرض البجة؛ فأدى ذلك إلى اجتذاب كثير من القبائل العربية المختلفة إلى هذه الأوطان للعمل فيها، واستغلال مناجمها (50)، وأدى استقرارهم هناك إلى اختلاطهم بقبائل البجة عن طريق المصاهرة، فنقلوا إليهم العقيدة الإسلامية، وتغيرت كثير من عاداتهم وتقاليدهم بهذا النسب الجديد (51).

إضافة لذلك فإن المعلوم عن مراعي النوبة وأراضيها أنها أكثر خصوبة من أراضي ومراعي شبه الجزيرة العربية، وعلى وجه الخصوص النوبة الجنوبية (علوة) التي كانت أكثر اتساعاً وأخصب أرضاً وأوفر ثروة من المقرة (52)، إضافة إلى أن مناخ النوبة الشمالية (المقرة) يشابه مناخ وبيئة شبه الجزيرة العربية (53)، وهو ما يوائم حياتهم التي جبلوا عليها في حب الترحال والتنقل، وقد كان لهذا التشابه في المناخ وطبيعة البلاد والأرض المسطحة أثره في دفع هذه القبائل للتقدم نحو الجنوب، وهي قبائل بدوية رعوية، أو شبه رعوية لا تستطيع التقدم إلا في السهول المكشوفة؛ فكان تدفقهم في كل أرض وصلوها يقف عند اصطدامهم بعقبات طبيعية: كالبحار، والجبال، والغابات، وهذا ما حدث بالضبط؛ إذ إن تلك القبائل لم تتوقف في زحفها إلا عند المناطق التي تسوء فيها الطرق، وتتفشى فيها الأمراض الفتاكة، بيد أن هذه الجماعات العربية المهاجرة اختلطت بالعناصر النوبية والبجاوية في تلك المناطق، وأدى هذا الاختلاط إلى تأثر هؤلاء بالدماء العربية التي كانت تتجدد باستمرار مع توالي وصول عناصر عربية جديدة إلى هذه الجهات (54)، إضافة إلى اعتناق عدد منهم للإسلام في هذه الفترة بالرغم من جهلهم باللغة العربية (55)، والراجح أن العرب تعلموا لغة النوبيين بعد أن اختلطوا بهم، واستطاعوا بذلك نشر ثقافتهم الإسلامية في بلاد النوبة (56).

هذا وقد تعاظمت أعداد القبائل العربية المهاجرة، وانتشرت أحياء العرب من جهينة في بلادهم ـ أي النوبة ـ واستوطنوها وملكوها (57)؛ وذلك في المراحل الأخيرة للمملكة النوبية النصرانية التي أصابها الضعف والوهن؛ بسبب خلافاتها الداخلية، وبسبب الضغط القوي للقبائل العربية التي سارت في زحفها، حتى بلغت أرض البطانة (58) والجزيرة (59)، ثم عبر بعضها نهر النيل إلى كردفان، ودارفور، وهناك التقت هذه الموجة المهاجرة بموجة أخرى، كانت قد تابعت شاطئ النيل الغربي حتى دنقلة، فوادي المقدم (60)، ووادي الملك، حتى بلغت في مسارها مملكة: كانم، برنو؛ حيث كان الإسلام قد بلغ تلك الجهات من بلاد المغرب وشمال أفريقيا (61)؛ واستقر بعض هؤلاء المهاجرين في سهول أواسط البلاد، وانفتحوا على السكان الوطنيين من النوبة وغيرهم من البجة والزنج، فصاهروهم، وعندما بلغوا كردفان ودارفور اضطر جزء منهم أن يتخلوا عن إبلهم، ويعتمدوا على الأبقار في ترحالهم، ومِنْ ثَمّ عرفوا بعرب البقارة (62).

اشهر القبائل العربية المهاجرة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير