ارتدادهم عن الدين النصراني و استحلال دمهم.
في تلك الفترة, كان شأن الإمبراطورية العثمانية قد عظم و كانت قادرة على مناجزة الأسبان بالبحر المتوسط, و انتقمت للمورسكيين من الإهانات التي تعرّضوا لها بإسبانيا. فأضحت تركيا و بلاد البربر أرض الأندلسيين الموعودة.
التشوق للهجرة
إن إحساس المورسكيين بالانتماء ''للطرف المقابل'' المعادي لجلادهم, كان أكثر قوة خلال السنين التي سبقت الطرد النهائي. و يمكن أن نلمس ذلك في هذه الأنشودة التي انتشرت بأراغون ثم بقشتالة, و كان يلقيها أحد المورسكيين –و بالتحديد من أراغون- يُعلم فيها أحد أصدقائه الطليطليين, وهذا قبل عدة شهور من الطرد:
قالوا إنه وجب علينا أن نرحل
نحن أيضا من هذه الأرض
نحو تلك الأرض الطيبة
أين الذهب و الفضة الرقيقة
يوجدان من جبل إلى جبل
إنهم يهددوننا بالطرد
لنذهب كلنا إلى هناك
أين توجد جماعات الموروس
و أين توجد كل الخيرات هناك.'' (9)
تعبر هذه الأنشودة جيدا عن الأمل الذي كان يسكن قلوب المورسكيين: و هو ملاقاة إخوانهم ''الموروس Moros '' و الاكتفاء أخيرا بكونهم مجموعة تزينت في نظرهم بكل الأشكال العجيبة, فأرض الإسلام بالنسبة إليهم الأرض الموعودة و حيث ستكون لهم طيعة و طيبة و أنهم يفكرون في العثور عما كانوا محرومين منه في إسبانيا. (10)
و هذه الفكرة هي التي حددها مؤلف مخطوط (رقم 52) كتُب بعد الطرد, ورد فيه أن الرحيل من إسبانيا يوازي ما حصل لليهود لحظة مغادرتهم مصر للوصول إلى الأرض الموعودة: ''لنشكر العناية الربانية التي أعتقتنا من سلطة الفراعنة و من القائمين على محاكم دواوين التفتيش, أصحاب البدع الملعونين, و هذا دون أن يفتح في وجوهنا البحر, كنا قد وجدنا أنفسنا على هذه الأرض الموعودة حيث يحسن استقبالنا'' (10)
طرق الهجرة:
لمغادرة إسبانيا تعددت الطرق و تنوعت و كان بعضها معروفا. فحسب محاضر المورسكيين الذين أُدينوا, اتّسمت كل المسالك بالصعوبة و الخطورة. فللوصول إلى أرض المغرب, توجد ثلاث طرق. أولاها: هي تلك التي تمر من أراغون و فرنسا, و هو الطريق الذي رغب في توخيه ماتيو بريز Matheo Perez و أفراد عائلته: ''لقد قرروا جميعا أن يتحولوا إلى مملكة فرنسا و منها يذهبون للاستقرار في المغرب تحت ظل قانون محمد''. و هذا الطريق يؤدي عموما إلى البلاد التونسية (11). أما الطريق الثاني فيمر من قرطاجنة أين يتم الإبحار ليلا نحو الجزائر: و بيدرو مارتنيز و زوجته عبراه سنة 1567 عندما كانا على وشك الإبحار قرب قرطاجنة. أما إذا كان التوجه نحو المغرب الأقصى, فإن المسلك هو الطريق الثالث الذي يبدأ انطلاقا من الساحل الجنوبي لجزيرة الأندلس (12).
بالنسبة لأهل أراغون و نافارا مثلا كان المسلك صعبا, حيث كان عليهم الالتحاق أولا بفرنسا عبر تولوز و قرقشونة ليركبوا البحر بعد ذلك من منائي أكدي Agde أو مرسيليا (13) , و لا حاجة للتأكيد على وعورة جبال البرانس الفاصلة بين إسبانيا و فرنسا و تكوينها لحاجز طبيعي بين البلدين.
بيدرو الرويو Pedro El Royo, مورسكي من تورياس Torrellas تخصص منذ سنة 1551 في تهريب المورسكيين إلى تركيا. خلال خمس رحلات, نجح في تهريب أكثر من 40 رجلا و امرأة عبر جبال البرانس. لكنه اعتُقل سنة 1567م و حكمت عليه محكمة تفتيش سرقسطة بالموت (14).
في السنة الموالية, اعتُقل مكيل أراغونس Miguel Aragonés عندما كان يستعد لعبور الحدود, فلاقى نفس المصير, و جاء في محضره:''أُُسِر على الحدود مع فرنسا رفقة بعد المورسكيين حيث يذهبون إلى تركيا للعيش كمسلمين''. (15)
في طليطلة
و ما بين 1544 و 1561 حاول ثلاثة طليطليين العبور إلى المغرب. و رغم أن المصادر التفتيشية لم تذكر شيئا كثيرا عنهم, إلا أنها كانت كافية لتُبرز المصير الذي كان ينتظرهم لو بقوا في إسبانيا. و نجد بينهم مجدولينا لا ساستر Magdalena la Sastre التي حُكم عليها غيابيا بالموت حرقا. بعد وصولها إلى الجزائر شرعت في دعوة الأسرى النصارى إلى الإسلام.
في بطليوس
¥