(إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) (الانبياء:98)
(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) الموبق هو مكان الهلاك، يعني أننا جعلنا بينهم حائلاً مهلكاً حيث لا يمكن أن يذهبوا إلى شركائهم، ولا أن يأتي شركاؤهم إليهم، أرأيت لو كان بينك وبين صاحبك خندق من نار هل يمكن أن تذهب إليه لتنصره، أو أن يأتي إليك لينصرك؟
الجواب: لا يمكن، هؤلاء يجعل الله بينهم يوم القيامة {مَوْبِقاً}.
...
) وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً) (الكهف:53)
قوله تعالى: {) وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ} المجرمون يعني الكافرين، كما قال: {إنا من المجرمين انا منتقمون} [السجدة: 22. (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا) أي أيقنوا: {مُوَاقِعُوهَا} والظن يأتي بمعنى اليقين كما في قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملتقوا ربهم} [البقرة: 46]، أي: يوقنون أنهم ملاقو الله، وإلَّا فالظن الذي هو ترجيح أحد الأمرين المشكوك فيهما لا يكفي في الإيمان.
(وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً) يعني لم يجدوا مكانا ينصرفون عنها إليه، وهذه الجملة معطوفة على (رأى) وليست داخلة تحت قوله ظنوا، لأنه لو كان داخلاً في الظن لقال "ولن"، يعني أنهم لما رأوْها وظنوا أنهم مواقعوها لم يجدوا عنها مصرفاً أي مكاناً ينصرفون إليه لينجوا به منها.
...
) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (الكهف:54)
قوله تعالى: {صَرَّفْنَا} يعني نوعنا، تصريف الشيء يعني تنويعه كما قال تعالى: {وتصريف الرياح} [البقرة: 164]، أي تنويعها من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، إذاً {صَرَّفْنَا} أي نوعنا في هذا القرآن من كل مثل، وهكذا الواقع. فكلام الله صدق، أمثال القرآن تجدها متنوعة فتارة لإثبات البعث، وتارة لإثبات وحدانية الله، وتارة لبيان حال الدنيا، وتارة لبيان حال الآخرة، وتارة تكون مطولة، وتارة مختصرة، فهي أنواع. كل نوع في مكانه من البلاغة والفصاحة.
(مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي من كل جنس وصنف، فهذا مثل لكذا وهذا مثل لكذا، لماذا؟
الجواب: من أجل أن يتذكر الناس ويتعظوا ويعقلوها. ولكن يوجد من الناس من لا يتعظ بهذه المثل، بل على العكس، ولهذا قال: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً}، قوله: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ}، بعض المفسرين يقول: {َ الْأِنْسَانُ} يعني الكافر، ولكن في هذا نظر؛ لأنه لا دليل على تخصيصه بالكافر، بل نقول {الْأِنْسَانُ} من حيث الإنسانية.
(شَيْءٍ جَدَلاً) يعني أكثر ما عنده، ولكن من حيث الإيمان فالمؤمن لا يكون مجادلاً، بل يكون مستسلماً للحق ولا يجادل فيه، ولهذا قال عبد الله بن مسعود: "ما أوتي قوم الجدل إلَّا ضلوا" وتدبر حال الصحابة تجد أنهم مستسلمون غاية الاستسلام لما جاءت به الشريعة، ولا يجادلون ولا يقولون لم؟ ولما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم" هل قال الصحابة "لِمَ"؟ بل قالوا سمعنا وأطعنا، ما جادلوا، وكذلك في بقية الأوامر، لكن الإنسان من حيث هو إنسان أكثر شيء عنده الجدل. إذاً إذا مر بك مثل هذا في القرآن الكريم {الْأِنْسَانُ} فلا تحمله على الكافر إلا إذا كان السياق يُعَيِّنُ ذلك، فإذا كان السياق يراد به ذلك، صار هذا عاماً يراد به الخاص، لكن إذا لم يكن في السياق ما يعين ذلك فاجعله للعموم، اجعله إنساناً بوصف الإنسانية، والإنسانية إذا غلب عليها الإيمان اضمحل مقتضاها المخالف للفطرة.
¥