ومن الأسباب التي أشعلت سعير مقاومة محمد الشريف أمزيان ظهور بوحمارة في منطقة الريف الذي ادعى أنه المولاي محمد بن السلطان الحسن الأول. وبذلك، خرج عن طاعة السلطان مولاي عبد العزيز، وكبد قوات المغرب آنذاك خسائر مادية وبشرية كانت من العوامل غير المباشرة لدخول المستعمر الأجنبي إلى المغرب وفرض حماية 1912م.
وقد ساهمت ثورة بوحمارة في نشر الفساد والرعب والعبث بمصالح الناس وحريمهم وقتل الأبرياء وانتهاك أعراض الناس بدون حق شرعي، وساهم في انتشار الخيانة والغدر، وسمح لجيشه أن يفعل مايشاء في منطقة الريف بدون حسيب ولا رقيب.
ولكن الشريف لم يرض بهذا الوضع المأساوي المقيت، فوحد القبائل القلعية والريفية لمواجهة هذا القادم اللعين. ومن ثم، أعلن الشريف في الأسواق اليومية والأسبوعية وعبر المشاعل التي توقد فوق الجبال اندلاع المقاومة للقضاء على بوحمارة وجيشه المغتصب الذي دوخ الجيش الحكومي منذ سنة 1902م إلى أن تولى مولاي عبد الحفيظ الحكم و تكليف القائد الناجم الأخصاصي لمقاتلته والقبض عليه.
والسبب الثاني الذي أشعل ثورة الشريف أمزيان هو رغبة إسبانيا في مد سكة حديدية وبناء مجموعة من الجسور والقناطر تمتد من مشارف مليلية إلى بلدة أزغنغان على مسافة 20 كيلومترا، وذلك في 9 يوليوز 1907م، والغرض من كل هذا هو الوصول إلى مناجم الحديد الموجودة بمنطقة أفرا ووكسان، بعد أن باع بوحمارة منجم وكسان لشركة إسپانية ومنجم إحرشاون لشركة فرنسية لمدة تسعة وتسعين سنة مقابل خمسة ملايين من البسيطات، وكان جنود بوحمارة هم الذين يحرسون العمال الذين يشتغلون في هذين المنجمين.
لكن محمد الشريف أمزيان - بعد أن استشار السلطان المولاي عبد الحفيظ - لم يسمح للقوات الغازية تحت قيادة حاكم مليلية الجنرال مارينا باستغلال المنجمين. فأرسل الجنرال العمال للشروع في بناء القناطر والجسور تمهيدا لوضع السكة فواجههم المجاهدون، فأعلن الجنرال مارينا حربه الشنعاء على الريفيين وقائدهم المقاوم البطل محمد الشريف أمزيان.
هذا، وقد أشعل دخول مارينا إلى الناظور فتيل مجموعة من المعارك التي ستكبد الجيش المحتل خسائر عدة في العتاد والمال، وستحصد الكثير من الأرواح البشرية من قتلى وجرحى وجمعا من الضباط والقواد والجنرالات وأصحاب الرتب العليا في الجندية والقيادة العسكرية.
وعليه، فلم تندلع شرارة مقاومة محمد الشريف أمزيان إلا لسببين رئيسيين ألا وهما: فتنة بوحمارة، وغزو الجيش الإسباني لمنطقة الريف من أجل السيطرة على مناجم الحديد بمنطقة بني بويفرور. وهناك من يضيف سببا ثالثا لظهور مقاومة الشريف يتمثل في جبهة أصدقاء إسبانيا ( Amigos De España) التي جمعت المتعاونين مع الاستعمار وخونة القضية الريفية، وكان الشريف يحارب هؤلاء ويجاهد فيهم للحد من شوكتهم، وكانت هذه الجبهة هي التي قامت باغتيال قائد المقاومة الريفية محمد الشريف أمزيان على يد السارجان القائد محمد حسني التابع لفرقة الريگولاريس تحت إمارة الكابورال كونثالو ساوكو Gonzalo Sauco .
3- تطور مقاومة محمد أشريف أمزيان:
عرفت مقاومة محمد الشريف أمزيان في سنوات العقد الأول من القرن العشرين وبالضبط مابين 1909م و1912م مرحلتين أساسيتين: مرحلة مجابهة ثورة بوحمارة والتي انتهت بطرد بوحمارة من سلوان، والمرحلة الثانية التي انتهت باستشهاد الشريف أمزيان بعد أن كبد المستعمر الإسباني خسائر مادية ومالية وبشرية أثارت الرأي الأيبيري لمدة طويلة وأشار إليها المؤرخون الإسبان والأجانب على حد سواء.
أ - مقاومة الشريف أمزيان لبوحمارة:
عرف المغرب منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي أوضاعا متردية على جميع المستويات منذ مولاي عبد الرحمن بعد هزيمتي إيسلي وهزيمة تطوان، فأصبح المغرب خاضعا لإملاءات الدول الأجنبية وضغوطاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية. وصار المغرب بعد ذلك يعرف تقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية، وكثرت الفتن وارتفعت الأسعار وتهرب الناس من دفع الضرائب الشرعية وغير الشرعية على الرغم من الإصلاحات التي قام بها مولاي الحسن الأول من النواحي المالية والإدارية والتربوية والعسكرية. لكن ظروف المغرب ستزداد تأزما مع تولية مولاي عبد العزيز الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه الحسن الأول، وقد تولى شؤون
¥