تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا العزير ـ عليه السلام ـ يمر على قرية قد دمرها بعضُ الملوكِ الطغاةِ؛ وقيل هي بيتِ المقدس أيام احتلها طاغيةُ بابل " نبوخذ نصر الثاني أو بختنصر الكلداني ملك بابل (605 - 563) ق. م "، فقد اقتحم القدسَ وفعل بها الأفاعيل، بل فعل كما ذكرت الآيةُ على لسان بلقيس ":

{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} النمل34.

فأعمل هذا الملكُ القتل والمذابح في هذه القرية، فانتشر فيها الخراب والدمار، وإذا بالعزير يدخل هذا القرية بعد هذه المذبحة؛ فإذا هي موحشة مرعبة، الأشلاء متناثرة، العظام متكسرة، والبيوت مهدمة، والصوامع مخربة، الأسواق خاوية، الطرقات لا يدِبُّ عليها دبيبٌ، وفي أجواء هذا الصمتِ المرعب يقول العزير:

" أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا "!

ما أعظم اللهَ أن يحيي هذه القريةَ بعد موات، وأن يعمرَها بعد خراب، وأن ينثر فيها الحياةَ والخضرة والحركة هنا وهناك، سبحان الله! إن يشأ أن يفعلَ ذلك؛ فإنما يقول لها كوني فتكون!

"فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ "

مات موتةً حقيقةً من أول نهار ذلك اليوم الذي قال فيه هذه الكلمة؛ ومات وشبع موتًا، ومرتِ السنون والعقود، وأحياه الله بعد قرن من الزمان في آخر النهار؛ فخُيلَ للعزير أنها نام أولَ النهار واستيقظ آخره؛ وإنما هي قيلولةٌ استرسل الجسدُ فيها فقطع سراة النهار راقدًا في هذه القرية الموحشة.

فبعث الله ُ إلى العزير مَلكًا؛ وليلقنه الدرس:

"قَالَ كَمْ لَبِثْتَ؟ "

" قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ "

" قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ!!! "

ثم يسوقُ له دليلَ ذلكَ، والدليل أن تنظر، "فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ"؛ إن التين والعنب الذي كان معك في حقيبتك لم يزل كما هو على حالته، لم يتغير ولم يفسد منذ مائة عام، سبحان الله العنب والتين الذي يتلف في أيامٍ معدوداتٍ؛ أبقاه اللهُ صالحًا طازجًا مائة عام! وفي نفس الوقت انظر إلى حمارك، لقد مات، وتحلل، وصار ترابًا على تراب.

"وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ"

" وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً "

ثم تعال إلى هذا المشهد العظيم؛ ولترَ الحمارَ الميتَ يُحييه اللهُ أمام عينيك.

انظر إلى هذه اللوحةِ التي ستُرسمُ الآن، انظر إلى التراب الذي كان عظامًا باليةً للحمار، ها هو التراب يتحول إلى عظامٍ، هيكلٍ عظمي للحمار، أشبه بذلك الهيكلِ الذي يدرسه طلابُ الطبِ ويتعلمون فيه، انظر إلى اللحمِ يكسو العظام، انظر إلى الجلد يكسو اللحم، انظر إلى الشعر يكسو الجلد، ها هي عينا الحمارِ تنبت وتلمع في رأسه، ها هو الحمارُ ينتفضُ، يهتزُ، يقف، وينهق، أمامَ عينيك.

"فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [البقرة:259].

هكذا تأثر العزير بهذا الموقفِ العظيم، وإن كان علمَ أن الله على كل شيء قدير، فقد زاد علمًا فوق علمٍ، ويقنيًا فوق يقينٍ، وهذا لا يتأتى إلا بالوقوفِ على عجيب صنعِ الله، الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ.

...

كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى؟

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}

يقف الخليلُ إبراهيمُ يناجي الربَ ـ تبارك وتعالى ـ يسألَه أن يريه كيف يحي الموتى، انظروا عندما يطمع العبد في كرم ربه؛ فيسألُه طلبًا بعد طلب، ونحِلةً بعد نِحلة؛ فيطلب العبدُ من ربه طلبًا عجيبًا كهذا.

" قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن؟ "

وهو ـ سبحانه وتعالى ـ يعلمُ نيةَ إبراهيم، ولكنه يريدُ أن يبين لنا نحن صدقَ مقصدِ إبراهيم ـ عليه السلام ـ!

"قَالَ بَلَى، وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي "

ما أردتُ من وراء هذا الطلبِ سوى زيادةِ اليقين، وزيادة الإيمان، وأن تخصني بنعمةٍ من دون الناس، فضلاً منك ونعمة.

" قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ" ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير