ثم انظر نفسك، وتفكر فيها، انظر في المرآة لترى قدرة الله في إنشائك، بل انظر إلى ما يطرأ على النفس سلبًا وإيجابًا، من صحة ثم مرض، ومن فقر ثم غنى، ومن سعادة ثم حُزن، ومن قوة ثم ضعف، وانظر كيف يُهلك بالداء الهين الضعيف، وقد يُبرأُ العبدَ من المرض العضال ..
فهذه سيدة مغربية مثقفة؛ أصيبت بالمرض الخبيث، وقال لها الأطباءُ إن نوع السرطان الذي بك من أخبثِ أنواع الأورام، وأنه لا فائدةَ من العلاج الجراحي فضلاً عن الحل الكيماوي، ومن الأحسنِ لك أن تتركي تعذيب نفسك واستعيني بالمسكنات حتى الموت، علمًا أنه قد بقي من عمرك على وجه التقريب نحو شهرٍ والله وحده يعلم الأعمارَ والأرزاقَ. فسافرت المرأة إلى لندن فأخبرها الأطباءُ البريطانيون بنفس الحقيقة، ثم سافرت إلى باريس فقالوا إن حالتك متأخرةٌ جدًا ولا يصلح فيها علاجُ، وقد كان معها زوجها، فاقترح أن يذهبا إلى الحج، وينتهزها فرصةَ موسمه، فقصدتَ بيت الله، وطافت، وسعت، ووقفت، ودعت، ونادت على الحي الذي لا يموت، تدعوه، اشف أنتَ الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقما، وعادت إلى المغرب، وأحست بالقوة تدبُ فيها، وبالآم تغيبُ شيئًا فشيئًا، فأجرت الفحوصات، فلم يجدِ الأطباء أثرًا واحدًا لخليةٍ سراطانية واحدة!
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} النمل62.
...
انظر حولك في الخلق، في الأحداث الجارية، في انتقام الرب من الظالم، انظر في قصص الجرائم والأحداث، لترى كيف يصرف الله الآيات ولترى عجيبَ صنعِه بالظالمين، وتأمل مثلاً هذه القصة:
فقد مات أبٌ غنيٌ عن أولاد فيهم طمع، فلما غسلوه، وكفنوه، وحملوه، وفي يوم الجنازة، قال أحدهم دعوني أدخل أنظر إلى أبي في مقبرته؛ لأتأكد أنه موجهةٌ نحو القبلة، وكانت المقابر في هذه البلد أشبه بالغرف أو البيوت ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ، فنزل القبرة، والناسُ من فوق، وربُ العالمين فوق الجميع، وإذا بالناس يستغيبون الرجل، لقد مر ربعُ ساعةٍ ولم يخرجِ الرجل، قال أحدهم دعوه يودع أباه، فقال الناس بل انزلوا فقد تأخر جدًا، فنزل بعضُهم؛ فإذا بهذا الابن العقور قد مات، وقد انكفأ على أبيه، وهو ممسكٌ بأصابع أبيه يريد أن يأخذ بصمته على عقد بيع، فما أقبحَ سوءَ الخاتمة!
من أجل ماذا فعل ذلك؟ من أجل الطمع، من أجل أكل المواريث! قُتل الإنسانُ ما أكفره!
وهذه راقصة ـ تحدثت عنها صحيفة البشاير في شهر مارس 2008 ـ كانت هذه المرأةُ ترقص في الأرياف لبعض العائلات، فرآها أحد الطبالين الكبار في مصر، فقال لها اطلبي الطلاق من زوجك وتعالي إلى عالم الفن والشهرة في كازينوهات القاهرة، ففعلت؛ وطُلقت، وحملت حقيبتها، وركبت السيارة، ولكن تموت في الطريق، و" مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ " كما في الحديث الذي رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني.
...
وأخيرًا, ما هي التوصية العملية التي نخرج بها من هذه الكلمة؟
حسبي منك ـ أخي العزيز ـ أن تقف مع نفسك وقفة تدبر في قدر الله عز وجل.
وقفة دورية، يومية أو أسبوعية، تتأملُ فيها آيات الله في الآفاق وآياته في الأنفس.
ذلك، حتى لا يغيبَ قلبُك عن وعيه، حتى تُنقذه من الغفلة، والران والقسوة.
ولا تبيتن ليلةً إلا على وضوء وصلاة وتفكر في عظيم صنع الله في الآفاق وفي النفس.