وقد كان يتفانى في خدمة الضعفاء والمحتاجين، ولذلك فقد كُلف لسنوات طويلة من قبل المحكمة والإمارة (المحافظة) بتوزيع الزكاة والصدقات السنوية على فقراء مدينة ليلى، يتتبعهم في منازلهم ويقدم لهم نصيباً مما كلف بتوزيعه، وكثيراً ما رأيناه يطوف البيوت ويطرقها على أهلها خاصة النساء والأرامل، ومن دقته في التوزيع أنه لا يقبل أن يأتي أحد من المحتاجين إلى بيته حتى لا يشعرهم بمذلة الأخذ من الآخرين؛ لإيمانه أنها حق لهم، والحقوق يجب أن تصلهم في منازلهم لا أن يأتوا لأخذها، إضافة إلى أنه يريد أن لا يأخذ منه أحد – خاصة من النساء لإمكانية عدم معرفته بهن- أكثر من مرة.
وكان يُعْطي كلَّ ذي حقٍ حقه، ويُنزل الناسَ منازلهم, يفرح إذا احتاج إليه أحد في مال أو علم أو موقف، لا فرحاً في احتياج الناس وعوزهم وإنما الفرح لأن حاجتهم تُقضى على يديه.
وقد كان الشيخ يتمتع بعلاقات طيبة مع جميع الناس، وله خاصته وأصدقاؤه المقربون منه، فعلاقته بجميع أعمامه وأبناء عمومته في (قصر آل مفلح) في مدينة ليلى (أو ما سمي فيما بعد بـ حارة آل فالح) علاقة مودة واحترام وتقدير، ولسعة صدره واهتمامه بالجميع وعلمه وقدره وفضله التفَّ حوله الجذالين جميعا منذ عام 1380هـ إلى وفاته رحمه الله - وإن لم يكن هو أكبرهم في تلك الفترة - فصاروا يأنسون بمجلسه وحديثه والقرب منه، وكان هو يفرح بقربهم ورعاية صغيرهم وكبيرهم، وقد كان عمه إبراهيم بن الشيخ سعود بن مفلح يتردد على مجلسه يومياً لسماع أحداث التاريخ وعبره.
وقد كان هناك مجلس يجتمع فيه الشيخ عبدالله مع عدد من الأقارب والأرحام يقال له (القرينة)، وممن كان يحضره الشيخ زيد بن محمد آل فالح الجذالين، والشيخ ناصر بن عبدالرحمن آل بشر، والشيخ إبراهيم بن سعد آل فالح الجذالين، والشيخ صالح بن غيث، وصالح بن سعود آل فهيد، ووالدنا محمد بن عبدالعزيز آل مفلح الجذالين.
ثانياً: الصفات العلمية:
لقد منح الله الشيخ عبدالله عقلية رياضية فذة جعلته يحب كل علم يتعلق بذلك؛ كعلم الفرائض الذي يعتمد على المسائل الرياضية, وعلم الفلك والحساب إضافة إلى اهتماماته الواسعة بالتأريخ والجغرافيا والبلدان والآثار وما يتعلق بها. والنبوغ في هذه العلوم مجتمعة ظاهرة موجودة في التاريخ مما يدل على أنها نتيجة لعقلية واحدة تجتذب هذه العلوم والفنون وتتعامل معها.
ويجاور العقلية الرياضية في شخصيته موهبة أخرى لا تقل عن سابقتها وهي موهبة العرض والقص لأحداث التاريخ وسيره. فالشيخ عبدالله حينما يعرض لك الأحداث والغزوات يعرضها بأسلوب جذّاب، فيتفاعل، ويرفع صوته في مواطن، ويشير بيده أحياناً، ويذكر الأسماء والمسميات، ويعرضها بأسلوب كأنك ترى الأحداث رأي العين, وحينما تركِّز معه تتفاعل أنت أيضاً، فيزداد تشوقك لنهاية القصة أو الحدث فلا يسعفه الوقت لإكمالها فتأتيه من الغد وكلك شوق ورغبة لهذه القصة أو تلك.
وفي غالب المجالس التي يجلسها يبدأ بذكر قصة في السيرة النبوية أو سيرة لأحد العلماء أو سيرة لأحد القادة والحكام في العصر الأموي أو العباسي أو للملك عبدالعزيز ومسيرته في توحيد المملكة، ثم يستطرد لتداعيات فكره وتعليقاته التي تنقدح في ذهنه عن ذلك الحدث أو تلك الشخصية.
وقد كان الشيخ عبدالله ملماً بأحداث الماضي والحاضر سواء الأحداث العلمية أو السياسية أو الاجتماعية أو القبلية؛ ولذا شرع في تأليف كتاب أسماه (أحداث المئة الرابعة الهجرية بعد الألف) فمات رحمه الله قبل إتمامه.
كما تميز – رحمه الله – بسرعة الفهم والذكاء وكثرة القراءة التي ملأت جُلّ وقته, كما تميزت ذاكرته بالقوة والدقة، وكان يقول لتلاميذه (ما سمعت شيئاً أو قرأته إلا حفظته). وقد زار المدينة النبوية في إحدى السنوات فمكث بعد رجوعه أسبوعاً، كل يوم يحدثنا بجديد مما سمعه من الشيخ عطية سالم رحمه الله.
ويذكر لنا الشيخ عبدالله أن الشيخ سعود بن محمد آل رشود - قاضي الرياض – أرسل إليه يطلبه بعد صلاة الفجر، قال فجئت إليه في منزله فسألني عن قصيدة قالها قبل عشرين سنة في رثاء شيخه سعد بن حمد بن عتيق, قال لي: إني نسيت بعض أبياتها فهل تذكر شيئاً منها؟، قال الشيخ عبدالله: فقلتها بين يديه وهي أكثر من ثلاثين بيتاً ومطلعها:
¥