وظلّ محمد بن القاسم يتقدم من نصرٍ الى نصر , وكان يستعد لفتح مملكة (قَنوج) أعظم إمارات الهند , وكانت تمتد من السند الى (البنغال) , وكان قد أوفد بعثة من رجاله الى ملكها تدعوه الى الإسلام او الجزية, فردّ الملك الوفد ردّا غير كريم , فأخذ محمد يعد العدّة لفتحها وجهز جيشا فيه عشرة آلاف من الفرسان (35) , وبينما كان يتهيأ لهذا الفتح العظيم إذ جاءه خبر وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك وتولى أخوه سليمان بن عبد الملك الخلافة .. !!!
نهاية محمد بن القاسم:
كانت وفاة الوليد بن عبد الملك 96هـ وتولى سليمان بن عبد الملك خليفة المسلمين هى نهاية محمد بن القاسم الثقفى رحمه الله , وذلك بسبب البغض الذى كان يكنّه سليمان بن عبد الملك للحجاج بن يوسف الثقفى وأهل بيته وكل عمّاله على الأقاليم والثغور ...
لأن الوليد بن عبد الملك فى آخر أيامه أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك من ولاية العهد ويعطيها لابنه عبد العزيز بن الوليد .. فبايع الحجاج بن يوسف الوليد فى خلع سليمان!! ..
http://img442.imageshack.us/img442/498/qasimmosque.jpg
بقايا مسجد محمد بن القاسم بمدينة (الرور)!!
فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة بدأ يغيّر ولاة الحجاج , وأعطى العراق لرجلا كان من ألدّ أعداء الحجاج وهو صالح بن عبد الرحمن , وكان الحجاج قد قتل أخوه سابقا , فقرر صالح بن عبد الرحمن أن ينتقم من أقرب الناس الى الحجاج وهو محمد بن القاسم, فعزله عن السند وولى رجلا من صُنّاعه وهو يزيد بن أبى كبشة, وأمره بالقبض على محمد (36) .... وبدأت المآساة!!
أخذ يزيد بن كبشة السكسكى أمير السند الجديد محمد بن القاسم وقيّده وحمله الى العراق , فقال محمد بن القاسم متمثلاً (37):
أضاعونى وأىّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغرِ
وهنا بكى أهل السند على محمد بن القاسم , فقد كان قائدا يحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , ولحسن معاملته لهم وتأمينهم على أموالهم وأنفسهم وإطلاق حرية العبادة لهم (38) , ورحب الهنود بحكم المسلمين لهم لأنهم قاسوا كثيرا من ظلم وجور الهندوس , وتجلى ذلك فى إقبالهم على محمد بن القاسم يدقون الأجراس ويقرعون الطبول ويرقصون رقصاتهم الشعبية (39).!!
فلما وصل محمد بن القاسم الى العراق , حبسه صالح بن عبد الرحمن بـ (واسط) , فقال محمد رحمه الله (40):
فلئن ثَويتُ بواسطْ وبأرضها ... رهن الحديد مكبلاً مغلولا
فلرُبّ قَينةَ فارسٍ قد رَعَتْها ... ولربَّ قَرنٍ قد تركتُ قتيلا
وقال أيضا:
ولو كنت أجمعَتُ الفِرارَ لوطئتُ ... إناثٌ اُعدّت للوَغَى وذكورُ
وما دخلتْ خيلُ السكاسِكِ أرضنا ... ولا كان من (عَك) (41) علىّ أميرُ
ولا كنت للعبد (المزونى) (42) تابعاً ... فيالك دهرٌ بالكرامِ عثورُ
وكان محمد بن القاسم يهتف فى أعماق سجنه وفى ظلماته:
أتنسى بنور مروان سمعى وطاعتى ... وإنى على ما فاتنى لصبور
فتحت لهم ما بين (سابور) بالقنا ... الى (الهند) منهم زاحف ومغير
فتحت لهم ما بين (جُرجان) بالقنا ... الى الصين القى مرة وأُغير
فعذبه صالح بن عبد الرحمن حتى قتله , ويُقال بأن صالح بن عبد الرحمن عذّب محمدا فمات من العذاب (43) .. عام 96هـ رحمه الله!!
http://img22.imageshack.us/img22/8058/qasim2.jpg
مات القائد الفاتح الشاب الذى لم يتجاوز عمره سبعة عشر عاما حين قاد جيوش المسلمين لفتح بلاد الهند , الذى قال فيه يزيد بن الأعجم:
ساس الجيوش لسبع عشر حجة ... ولداته عن ذاك فى أشغالِ
فغدت بهم أهواؤهم وسمت به ... همم الملوك وسورة الأبطالِ
وما أجمل أن نختم بكلمات اللواء الركن محمود شيت خطاب – رحمه الله - (44):
" مات محمد بن القاسم بالتعذيب, أو قُتل بعد تعذيبه, دون أن يشفع لهذا القائد الشاب, بلاؤه الرائع فى توسيع رقعة الدولة الإسلامية, ولا مهارته الفذة فى القيادة والإدارة, ولا انتصاراته الباهرة فى السند, ولكنّ آثاره الخالدة لا تموت ابداً, وأعماله المجيدة باقية بقاء الدهر, ولم يختره الله الى جواره, إلا بعد ان أبقى اسمه على كل لسان, وفى كل قلب, رمزاً للجهاد الصادق والتضحية الفذة والصبر الجميل.
¥