و قال الذهبي في تاريخ الإسلام (2/ 478):-
ولما رأى أبو جعفر عظيمة أبي مسلم بخراسان وسفكه للدماء ورجع من عنده قال لأخيه أبي العباس: لست بخليفة إن تركت أبا مسلم حياً! قال: كيف - قال: والله ما يصنع إلا ما يريد، قال: فاسكت واكتمها. انتهى.
ففي هذه النقولات تصريح واضح بأن أبا مسلم كان يقتل كما يشاء من غير مشورة ولا تأييد من السفاح والمنصور.
بل كان السفاح والمنصور ينكرون ذلك عليه.
فلما طال أمره وشره قتله المنصور وخلص الأمة منه.
وأما عبدالله بن علي بن عبدالله بن عباس فهو السفاح الحقيقي.
فإن أمير المؤمنين أبا العباس سمي بالسفاح لإعطائه المال وهذا اللقب إنما ظهر في كتب المتأخرين
وقد جاء في لسان العرب لابن منظور ورجل سَفَّاحٌ، مِعْطاء والسَّفَّاح: لقب عبد الله بن محمد أَوّل خليفة من بني العباس.انتهى.
وقد كان بحق سفاحا معطاءا للمال
قال الصولي: وكان السفاح أسخى الناس ما وعد عدة فأخرها عن وقتها ولا قام من مجلسه حتى يقضيه وقال له عبد الله بن حسن بن حسن مرة سمعت بألف ألف درهم وما رأيتها قط فأمر بها فأحضرت وأمر بحملها معه إلى منزله. اهـ.
قال الذهبي في السير (6/ 79):-
قال الصولي: أحضر السفاح جوهرا من جوهر بني أمية، فقسمه بينه وبين عبد الله بن حسن بن حسن، وكان يضرب بجود السفاح المثل. اهـ
وأما عبدالله بن علي فلقب بالسفاح لسفكه الدماء الكثيرة.
وهو الذي قتل أكثر من ثمانين رجلا من بني أمية عند نهر أبي فطرس ولا شك أن هذا منكر عظيم وقد أنكره أمير المؤمنين الخليفة المنصور كما سوف يأتي.
لكن السبب في قتلهم هو خروج بعضهم مع مجزأة الكلبي وأخيه فخشي منهم وقتلهم جميعا.
قال البلاذري في أنساب الأشراف (2/ 13):-
قالوا: ونزل عبد الله بن علي على نهر أبي فطرس، وكانت ببالس ابنة لمسلمة بن عبد الملك، فخطبها عامل عبد الله بن علي، وهو رجل من أهل خراسان فأنعمت له وقالت: أتهيأ لك، وكتبت إلى أبي الورد مجزأة بن الهذيل بن زفر الكلابي تستجير به، فخرج أبو الوازع أخو أبي الورد في جماعة فأتوا بالس والخراساني في الحمام فدخلوا عليه فقتل، ولحق بهم أبو الورد ودعا الناس فأجابه من قيس وغيرها زهاء سبعة ألاف، أكثرهم من قيس، وبلغ أبا محمد زياد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وذلك الثبت - وقيل ان اسم هذا السفياني العباس بن محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وان زيادا كان خرج طالبا بدم الوليد بن يزيد وليس هو بالخارج أيام عبد الله بن علي، والثبت أنه زياد - فطمع وقال: أنا السفياني الذي يروى أنه يرد دولة بني أمية، ونزل دير حنينا، وبايعه الوليد والناس وكتب إلى هشام بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط يدعوه إلى الخروج معه فاعتل عليه.
وبلغ عبد الله بن علي الخبر فقتل جميع من كان معه من بني أمية ومن يهدي هداهم، ووجه عبد الصمد إلى السفياني وأصحابه وهم بقنسرين في سبعة آلاف فاقتتلوا فانهزم الناس عن عبد الصمد حتى أتوا حمص، وأقبل ابن علي حتى نزل على أربعة أميال من حمص ووجه بسام بن إبراهيم وخفافا المازني بين يديه إلى حمص، وكتب إلى حميد بن قحطبة فقدم عليه. وصار السفياني وأبو الورد إلى مرج الأخرم، وأتاهم عبد الله بن علي ومعه عبد الصمد وحميد بن قحطبة فاقتتلوا في آخر ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وعلى ميمنة أبي محمد أبو الورد وعلى ميسرته الأصبغ بن ذؤالة الكلبي، فانهزم أهل الشام وهرب السفياني وجرح أبو الورد، فحمل إلى أهله فمات، ولجأ قوم من أصحاب أبي الورد إلى أجمة فأحرقت عليهم.
وبلغ ابن علي أن أبا محمد لبس الحمرة ودعا الناس، فأجابه خلق، فسار إليه فهزمه فتوارى، ثم أتى المدينة وعليها زياد بن عبيد الله الحارثي فاستدل عليه حتى عرف الدار التي هو فيها فوجه إليه من يأخذه، فخرج من الدار فقاتل ورماه رجل بسهم فأصاب ساقه فصرعه واعتوروه فقتلوه وكبروا، فسمع التكبير ابن له يقال له مخلد، فخرج فقاتل حتى قتل، وصلب أبو محمد وابنه.
قال الحرمازي: خرج السفياني في أيام أبي العباس ثم انهزم وتوارى حينا فقتل في أول خلافة المنصور. انتهى ..
وقد أنكر المنصور رحمه الله ما فعله عمه رحمه الله.
فقد نقل ابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 117) عن إبراهيم بن عيسى بن أبي جعفر المنصور:-
قال سمعت عمي سليمان بن أبي جعفر يقول كنت واقفا على رأس المنصور ليلة وعنده إسماعيل بن علي وصالح بن علي وسليمان بن علي وعيسى بن علي فتذاكروا زوال ملك بني أمية وما صنع بهم عبد الله وقتل من قتل منهم بنهر أبي فطرس فقال المنصور رحمة الله ورضوانه على عمي ألا من عليهم حتى يروا من دولتنا ما رأينا من دولتهم ويرغبوا إلينا كما رغبنا إليهم فقد لعمري عاشوا سعداء وماتوا فقداء. انتهى.
وكذلك السفاح كان ينكر على عمه عبدالله القتل.
قال ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة (ص 338):-
قال أبو العباس – يريد أمير المؤمنين رحم الله عبد الواحد، ولولا أنَّ السفاح عمِّي لاقتدت منه. انتهى.
وعند الرجوع إلى التراجم عند الذهبي وابن كثير نجد بأنهم ذكروا بأن أبا مسلم كان سفاكا للدماء وكذلك عبدالله بن علي.
ولم يذكروا بأن السفاح كان سفاكا للدماء وكذلك المنصور.
¥