فابتدأ محمد بن عبد الله؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، يا بني هاشم، فإنكم خيرة الله، وعترة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبنو عمه وذريته، فضلكم الله بالوحي، وخصكم بالنبوة، وإن أولى الناس بحفظ دين الله، والذب عن حرمه من وضعه الله بموضعكم من نبيه صلى الله عليه وسلم،وقد أصبحت الأمة مغصورةً، والسنة مبدلةً، والأحكام معطلة، فالباطل حي، والحقميتٌ فأبلوا أنفسكم في طاعة الله، واطلبوا باجتهادكم رضاه، واعتصموا بحبله من قبلأن تهونوا بعد كرامةٍ، وتذلوا بعد عز، كما ذلت بنو إسرائيل من قبلكم، وكانت أحبالخلق في وقتها إلى ربكم، فقال فيهم جل وعز: ' كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه '. فمن رأى منكم نفسه أهلا لهذا الأمر فإنا نراه له أهلاً، وهذي يدي له بالسمعوالطاعة، ومن أحس من نفسه ضعفاً، أو خاف منها وهناً وعجزاً فلا يحل له التولي علىالمسلمين، وليس بأفقههم في الدين، ولا أعلمهم بالتأويل. أقول قولي هذا وأستغفرالله العظيم لي ولكم.
قال: فوالله ما رد أحدٌ كلمةً غير أبي جعفر عبد الله بن محمد، فإنه قال: أمتع الله قومك بك، وكثر فيهم مثلك، فوالله لا يزال فينا من يسمو إلى الخير،ويرجى لدفع الضيم، ما أبقاك الله لنا وشد بك أزرنا.
فقالوا لعبد الله: أنت شيخ بني هاشموأقعدهم، فأمدد يدك حتى نبايعك؛ فقال: ما أفعل ذلك، ولكن هذا ابني محمدٌفبايعوه،
فقالواله: إنما قيل لك هذا لأنه لم يشك فيك، وها هنا من هو أحق بالأمر من ابنك،واختلطت الأصوات، وقاموا لوقت صلاة.
قال عبد الله بن جعفر؛ فتوكأ جعفر بن محمدعلى يدي وقال: والله لا يملكها إلا هذان الفتيان - وأومأ إلى السفاح والمنصور - ثمتبقى فيهم حتى يتلعب بها خدمهم ونساءهم، وإن الراد على محمد بن عبد الله كلامه منالعباسيين هو قاتله وقاتل أبيه وأخيه.
ثم افترقوا، فقال لي محمد بن عبد اللهالمنصور - وكان بيني وبينه خاصة ود: ما الذي قال لك جعفر؟ فعرفته ذلك، فقال: إنه خيرنا آل محمد، وما قال شيئا قط إلا وجدناه كماقال.
فواضح من هذه القصة إن صحت أنهم لم يبايعوا لأحد وإنما اختلفوا ورأوا أن بعض الموجودين أحق بالأمر من محمد بن عبدالله حتى اختلطت أصواتهم وانتهى المجلس.
وهذه أيضا رواية أخرى لقصة اجتماع بني هاشم في مكة التي يستدل بها على هذه البيعة المزعومة.
قال الأخباري النسابة الصدوق صاحب أخبار الدولة العباسية ابن النطاح الهاشمي مولاهم:-
عمر بن شبة قال: سمعت عيسى بن عبد اللهقال: حدثني أبي قال:
وافينا مكة، وعلينا عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك أميرا على الحج،
فجاء رسول عبدالله بن حسن إلى جعفر بن محمد،
فأرسلني أبي لانظر ما اجتمعوا له،
فارسل جعفر الارقطمحمد بن عبد الله بن علي لذلك، قال:
فجئتهم فوجدت عبد الله بن حسن وإبراهيموالمنصور ابني محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وجماعة من بني هاشم،
ووجدت محمد بن عبدالله بن حسن قائما يصلي على طنفسة رحل مثنية، فقلت: أرسلني أبي يسألكم لاي شئاجتمعتم،
فقال عبد الله بن حسن: اجتمعنا لنبايع للمهدي محمد بن عبد الله بن حسن.
قال: فإناعلى ذلك إذ دخل داخل فألقم إذن إبراهيم بن محمد ابن علي فساره مليا،
فأقبل عليهم إبراهيم فقال: لا أرى، أبا محمد، جعفر ابن محمد بن علي حضر، ولا أرى وجوه شيعتكم، فلو انصرفنا في هذا العام واجتمعنا قابلا.
ثم نهض قائما وقمنا معه،
وإذا الذي ساره قال له: أتبايع هذا الفتى وشيعتك بخراسان يدعون إليك!
قال: وأرسل إليهم عبد الواحد بن سليمان: إنكنتم تريدون شيئا خليتكم والذي تريدون.
قال: فلما استيأس ابن حسن من إبراهيم كتب إلى مروان: إني برئ من إبراهيم ابن محمد وماأحدث.
فهذه الرواية صريحة في أنهم اجتمعوا ليبايعوا لمحمد بنعبدالله فانسحب إبراهيم الإمام ومعه بنو العباس فلما يئس عبدالله بن حسن من مبايعتهم لابنه أخبر مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية بما يريد أن يفعل إبراهيم الإمام فقبضوا عليه.
وهذه رواية ثالثة لقصة اجتماع بني هاشم في مكة التي يستدلبها على هذه البيعة المزعومة.
قال الأخباري النسابة الصدوق صاحب أخبار الدولة العباسية ابن النطاح الهاشمي مولاهم:-
إن إبراهيم كان حج فيسنة تسع وعشرين ومئة وحج معه قحطبة،
¥