[تاريخ على مقاس إسبانيا]
ـ[هشام زليم]ــــــــ[21 - 11 - 09, 11:22 م]ـ
تاريخ على مقاس إسبانيا.
http://hicham84andalous.maktoobblog.com/files/2009/11/cache-110x110_rubon96-110x110.jpg (http://hicham84andalous.maktoobblog.com/files/2009/11/cache-110x110_rubon96-110x110.jpg)
ما هو التاريخ؟
هل هو ”علم دراسة الماضي” أم ”علم التلاعب بأحداث الماضي لتبرير أحداث تجري اليوم”؟
لنتخيل الشكل الذي كان سيكتب به التاريخ لو انتصرت النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية على ”المدنية” الأمريكو سوفياتية, و كيف كانوا سيدرسونه لنا لو تغلبت القوى الجمهورية في إسبانيا على ”ديكتاتورية فرانكو”. أكيد هو تاريخ مخالف جدا للذي ندرسه اليوم في المدارس و الجامعات.
بإسبانيا, قامت في السنوات الأخيرة محاولات لمراجعة تاريخ البلاد خلال فترة النظام الجمهوري (1931 - 1936) , الحرب الأهلية (1936 - 1939) و حكم الجنرال فرانكو (1939 - 1975) , محاولات قادها مؤرخون و ساسة عملوا من خلال الدولة على تبرير الحرب الأهلية و استيلاء نظام فرانكو على الحكم. و هم في سعيهم هذا لهم كل ”الحق ” في المطالبة بتصحيح تاريخي يعيد الأمور إلى حقيقتها, طبعا لأسباب ”علمية تاريخية” و أيضا لجبر ضرر الضحايا و تعويض أقاربهم.
غير أن ذاكرة إسبانيا قصيرة جدا و ضعيفة للغاية و متهالكة إلى أقصى حد, خاصة إذا تعلق الأمر بفترات تاريخية تعارض أركانها التأسيسية التي هي جوهر القومية و الأمة الإسبانية. إن تاريخ إسبانيا يُكتب و يُحلّل وفق عقائد راسخة و غير قابلة للنقاش, أهمها:
- وجود إسبانيا كأمة منذ العصور الغابرة, بل منذ بداية الخليقة. وجود لم يقطعه لا الغزو الروماني, و لا الأمازيغي القرطاجي, و لا الغزو القوطي, بل و لا حتى الوجود الإسلامي الذي دام أكثر من 8 قرون.
- وحدة إسبانيا كركن أساسي في التاريخ, و عبره يتم تفسير كل حدث تاريخي و كل سياسة تناقض هذا الركن. فإسبانيا كانت قبل آلاف السنين في نفس الحدود الموجودة عليها اليوم. و بهذا فالأندلس, قطلونية, نافارا, سبتة, مليلية و جزر الكناري هي جزء لا يتجزأ من إسبانيا, و كذلك الحال لجليقية, استرامادورا و غيرها…
هكذا نخرج بالاستنتاج التالي: في إسبانيا كل شيء يناقش إلا هذين الركنين: وجود إسبانيا كأمة منذ القدم و وحدتها التاريخية. و قد حدث حولهما إجماع مطلق و اتفاق تام حتى بين المؤيدين و المعارضين لمراجعة تاريخ القرن العشرين, و تكاد تكون النقطة الوحيدة التي تجمع بين ”اليمينيين” و ”اليساريين”, ”التقدميين” و ”المحافظين”, ”الرسميين’ و ”دعاة المراجعة”. فكل شيء يناقش و يحتمل الوجهين, بل ما شئت من الوجوه إلا العقائد المؤسسة للدولة الإسبانية.
فكيف إذن يرى ”المؤرخون” , "المفكرون” و ”الساسة” الأسبان اليوم تلك المأساة الفظيعة و الإبادة الشنيعة التي تعرض لها الشعب المسلم على أيدي ملكي قشتالة و أراغون –الذين عرفهم التاريخ باسم ”الملوك الكاثوليك”- و كيف ينظرون إلى الاحتفال السنوي بهذه الأحداث في غرناطة كلما حلّ الثاني من يناير.
بالنسبة للذين سنطلق عليهم ”الوطنيون المعترف بهم”, الذين حملوا على عاتقهم هم ”القومية الإسبانية” بالدفاع عنها و مظاهرتها, سقوط غرناطة هو ”أوج” حرب الاسترداد و إتمام الوحدة الإسبانية التي مزّقها قبل 8 قرون غزو الموروس الذين انتهى بهم المطاف بعد انتصار الكاثوليكية إلى الطرد من إسبانبا و رميهم في البحر. هذه النظرة ترتكز على عقائد أسطورية عديدة مثل: ”الغزو العربي”, ”الاسترداد”, ”طرد الموروس” و ”إعادة التوطين”. إن هذه الأساطير الخيالية تحولت مع مرور الوقت إلى تاريخ ثم إلى عقائد لصالح الدولة الإسبانية أحالت جريمة إبادة الشعب الأندلسي المسلم و جرائم اللصوصية و السلب و النهب إلى أعمال بطولية. كما جعلوا لهذه الجرائم أركانا أديولوجية ترتكز على ”القومية الواحدة” (القومية الإسبانية) و ”الدين الواحد” (العقيدة الكاثوليكية). و قد قام بعض المؤرخين المتأخرين بفضح هذه الأساطير المؤسسة للدولة الإسبانية, كمؤلفات إيغناسيو أولاغي, أمريكو كاسترو, غونزاليس فيران و غيرهم.
¥