أما النوع الثاني من الوطنيين الأسبان, و الذين سنطلق عليهم ”الوطنيون المتسترون” أصحاب ”الوطنية النائمة” المنضوون تحت لواء طبقة ”التقدميين” الاجتماعية, فهم يعترفون بالإبادة التي تعرض لها الشعب الأندلسي المسلم و يُدينون الاحتفال بسقوط غرناطة و باقي المدن الأندلسية بدعوى الدفاع عن”تعدد الثقافات” و ”تحالف الحضارات” لكن دون الخروج عن إطار العقائد التي ذكرناها سلفا, أي دون الوصول إلى انتقاد جوهر التاريخ الإسباني, و دون أن يطرحوا للنقاش الأساطير المؤسِّسة, بل يقبلون العقائد الرسمية التي يدين بها ”الوطنيون المعترف بهم”, ك”وحدة إسبانيا” و هي العقيدة التي ترتكز عليها جميع تفسيرات الأحداث التاريخية. هكذا إذن نجدهم –أي ”الوطنيون المتسترون”- يعترفون بالإبادة, يأسفون على صدور مراسيم التنصير و الطرد, لكنهم يبررون للذين تلطخت أيديهم بها و يعتبرونهم ”حكاما عظاما” لأنهم الأركان التي ترتكز عليها ”الأمة الإسبانية”, و التي بدونها سينهار كل شيء, و هذا طبعا أمر يرعبهم, لهذا يفضلون عدم التفكير كي لا ينتهي بهم المطاف بقبول حقيقة أخرى مخالفة فيصطدموا مع مسلماتهم, مع ضميرهم و مع مصالحهم. إنهم لا يريدون التفكير في صحة تلك الأساطير حتى لا يعترفوا أنهم كانوا ضحية كذب الدولة الإسبانية.
أما بخصوص سقوط المدن الأندلسية, فالوطنيون ”المعترف بهم” و ”المتسترون” يتفقون على أن وحدة إسبانيا ”أزلية” و يعتبرون غزو قشتالة للأندلس حربا أهلية بين إخوة انتهى للأسف بهم المطاف إلى ارتكاب جرائم إبادة, لكن دون أن يدينوا المعتدين لأنهم سيدينون بذلك من ”أعادوا تكوين وحدة إسبانيا” و جعلوها تنعم اليوم بالازدهار وسط الأمة الغربية.
كما يرفضون الاعتراف بعدم وجود كيان اسمه ”إسبانيا” قبل القرن 16, و يرفضون أيضا الاعتراف بأن مملكة غرناطة المسلمة كانت دولة مستقلة ذات سيادة قبلت بنود معاهدة تسليم غرناطة بعد أشهر عديدة من حصار عسكري غاشم. إن وضع المشكل في إطاره الحقيقي يثير الرعب في أنفسهم: فمعاهدة تسليم غرناطة هي معاهدة دولية بين دولتين ذات سيادة و عدم التزام قشتالة ببنودها أدى إلى فقدانها لمفعولها و من حق الطرف الآخر المطالبة بتنفيذها و إعادة الأمور إلى نصابها. لكنهم لا يستطيعون تحمل هذه المسؤولية لأنها تعارض العقيدة المقدسة لوحدة إسبانيا, و لا ”الوطنيون المعترف بهم” و لا ”الوطنيون المتسترون” سيعترفون بها, و بهذا الرفض يعبرون عن رغبتهم في تاريخ على مقاس عقائدهم, أي تاريخ مزور , مُوجَّه و مشوّه.
لقد عبّر بلاس انفانتي رحمه الله بكل دقة عمّا مثّله الاحتلال الإسباني-النصراني للأندلس عندما قال: ”الحملات الصليبية! النهب, القتل, الحرق و الحقد المدمر بقيادة الصليب.”.
المرجع: مقال للأندلسي المسلم علي مونثانو كانو ” La ideologia de la historia” رئيس موقع ”الهوية الأندلسية” ‘’ Identidad Andaluza’’ و عضو ملتقى ”ابن أمية” Foro Aben Humeya’’. كتبه في 28 يناير 2009.
كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد زليم المغربي.