تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

6 - صلب اليهود واحدا من الناس و ادعوا أنه هو المسيح بن مريم عليه السلام ليشبهوا الأمر على الناس بعد أن نجى الله نبيه. و هذا التفسير هو ما ذهب إليه ابن حزم و غيره. و ذهب قريباً من هذا الاستنتاج: النصراني ملمن في كتابه "تاريخ الديانة النصرانية" حيث يقول: "إن تنفيذ الحكم كان وقت الغلس، وإسدال ثوب الظلام، فيستنتج من ذلك إمكان استبدال المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم كما اعتقد بعض الطوائف، وصدقهم القرآن".

والملاحظ اتفاق الأناجيل على أن الذين جاءوا للقبض على المسيح لم يكونوا على علم بشكله. فقد احتاجوا لعلامةٍ من يهوذا الذي أسلمه ليعلموا من هو الشخص المطلوب. يقول إنجيل مرقس (14

44 - 46): "وكان مسلمه قد أعطاهم علامة قائلا الذي اقبّله هو هو. أمسكوه وامضوا به بحرص. فجاء للوقت وتقدم إليه قائلا يا سيدي يا سيدي، وقبّله. فألقوا أيديهم عليه وامسكوه". أما إنجيل يوحنا فيوضح بجلاء أن الشخص المقبوض عليه هو من ادعى أنه المسيح عليه السلام حيث لم يعلم الجنود و لا خدام اليهود شكله. يقول يوحنا (18

3 - 5): "فأخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفريسيين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح. فخرج يسوع -وهو عالم بكل ما يأتي عليه- وقال لهم: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري. قال لهم يسوع: أنا هو. وكان يهوذا مسلمه أيضا واقفا معهم".

والذي يؤكده القرآن كذلك أن الذين قتلوه لم يكونوا يعرفون شكله. قال ابن تيمية: "وكذلك عند أهل الكتاب أنه اشتبه بغيره، فلم يعرفوا من هو المسيح من أولئك، حتى قال لهم بعض الناس أنا أعرفه فعرفوه". ومعنى {ولكن شُبّهَ لَهُمْ} أي: شُبّه لهم الأمر. أو بمعنى آخر: ليس المقتول و المصلوب هو المسيح و لكن شُبّه لهم أنه المقتول و المصلوب. قال الشوكاني في "فتح القدير": "وقيل: لم يكونوا يعرفون شخصه، وقتلوا الذين قتلوه، وهم شاكون فيه". ومعنى {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} إما "وما قتلوا ظنهم يقيناً" (أي الضمير في قتلوه يعود إلى الظن وليس إلى عيسى)، أو "وما قتلوا عيسى قتلاً يقيناً". وفي كلا الحالين فالمعنى هو أنهم قتلوا رجلاً لم يتيقنوا أنه عيسى بل كانوا يظنون ظناً أنه هو.

وأنا أرجح القول الأخير، مع أني لا أجزم ببطلان القولين السابقين له. وعلى هذا يكون رجوع الفاعل في فعل "شُبّه" إلى اليهود، لا إلى الله عز وجل. فاليهود هم الذين ادعوا صلب وقتل المسيح عليه السلام بعد أن رفعه الله، وهم الذين لبّسوا على الناس. ذلك أنه لا حاجة لإلقاء الشبه على أحد أصحاب عيسى عليه السلام بعد أن رفعه الله إليه. وأي فائدة في ذلك؟ وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟ أما أن يقع هذا ليهوذا من باب العقوبة له فممكن، لكن ادعاء إلقاء الشبه على نبي لا يخلوا من إشكال. يقول الرازي: "إن جاز أن يقال: أن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة، فإنا إذا رأينا زيداً فلعله ليس بزيد، ولكنه ألقى شبه زيد عليه، وعند ذلك لا يبقى النكاح والطلاق والملك، وثوقاً به".

{وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (النساء 4

159) أي بعض أهل الكتاب سيؤمنون به وبحقيقة نجاته من الصلب، قبل موت عيسى عليه السلام في آخر الزمان عند نزوله، كما تواترت بذلك الأحاديث.

بقي أن نعرف كيفية رفع عيسى عليه السلام. والصواب أن هذا تم بجسده وروحه في حال يقظته. والتوفي المذكور لا يمكن أن يكون هو النوم أو الموت. قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير