تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مدائن صالح ليست ديار قوم صالح عليه السلام]

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[12 - 12 - 09, 07:00 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أرسل إلي الأخ الحبيب عبدالله بن علي بن فائع العسيري رسالة ضمنها بحثاً له عن إشكال أورده بعض المؤرخين والكتاب حول مدائن صالح الموجودة الآن قريباً من مدينة العلا شمال المدينة النبوية، وهذا نص رسالته:

(جرى في سالف الأيام المناقشة في وصف أبواب بنيان ديار ثمود الموجودة في طريق العلا عندنا شمال المدينة، حيث إنها لا تزيد عن أبواب ديارنا، وقد عرف عنهم ما قد عرف من ضخامة الأجسام، وهذا ما استشكله ابن خلدون، وتابعه جمع من أهل العلم على هذا الأشكال، وأجابوا عنه بأجوبة لا تخلو من التعقب والنظر، ومن هؤلاء العلامة المحدث / محمد عبدالرزاق حمزة في تذييله على كتاب < القائد إلى تصحيح العقائد > للعلامة المعلمي حيث يقول:

(جاء في الحديث أن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا، فما زال الخلق - أي من بنيه - يتناقض حتى صاروا إلى ما هم عليه الآن. استشكله ابن خلدون، ونقل إشكاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري بأن ديار ثمود في الحجر لا تزيد أبوابها عن أبواب ديارنا وهم من القدم على ما يظهر أن يكونوا في نصف الطريق بيننا وبين آدم فكان على هذا يجب أن تطول أبدانهم عنا بنحو ثلاثين ذراعا، ولعل أهل الحفريات عثروا على عظام وجماجم قديمة جدا ولا يزيد طولها عن طول الناس اليوم، وقد سمعت حل الإشكال من الشيخ عبيد الله السندي رحمه الله أن الطول المذكور في عالم المثال لا في عالم الأجسام والمشاهدة. فالله أعلم)

وتعقبه العلامة ناصر الدين الألباني فقال معلقا على هذا الموضع:

(قلت: هذا التأويل أشبه بتأويلات المتكلمين والمتصوفة، وإني متعجب جدا من حكاية فضيلة الشيخ إياه وإقراره له، واستشكال ابن خلدون إنما يصح على ما استظهره أن ثمود في نصف الطريق بيننا وبين آدم، وهذا رجم بالغيب، إذ لم يأت به نص عن المعصوم، ولا ثبت مثله حتى الآن من الآثار المكتشفة، بل لعلها قد دلت على خلاف ما استظهره، فيبقى الحديث من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها دون أي استشكال) انتهى كلام الشيخ رحمه الله.

قلت: [عبدالله بن فايع العسيري] قد ظفرت بنص في هذه المسألة يكتب بماء العين إذ به يتجلى حقيقة الأمر وهو ما نقله الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في توضيح المشتبه {8/ 97} عن البرزالي أنه قال:

(ومدائن صالح التي بالقرب من العلا في طريق الحاج من الشام بلد إسلامي، وصالح المنسوبة إليه من بني العباس بن عبدالمطلب، وفيها قبور عليها نصائب تاريخها بعد الثلاثمائة) انتهى

فهذا النص يفيد بأن الموضع المعروف الآن في بلدة العلا ليس حجر ثمود، وإنما هي أبنية حدثت في زمن الإسلام، وأن صالحاً المنسوبة إليه هذه المدائن ليس نبي الله عليه السلام، بل هو رجل من ذرية العباس بن عبدالمطلب، بدليل أن هناك قبور يرجع تأريخ نصائبها إلى ما بعد عام الثلاثمائة هجرية. فالذي يظهر أن هذه المدائن كانت بقرب حجر ثمود، فلما فنيت وزالت أطلال الحجر ظن الناس أنها هذه المدائن.

ويرجع هذا عندي إلى أسباب منها:

أنها لما طالت المدة على الناس ونُسي العلم في شأنها وكان بنيان هذه المدائن بهذه العظمة والبهاء مع قرب موضعها من الحجر سببا لحصول هذا الغلط والوهم، وعلى أثره انبنى الإشكال الذي أورده ابن خلدون ومن جاء بعده من أهل العلم، ولا يقال إنه لا يعقل أن يتتابع أهل العلم عصورا مديدة على هذا الغلط دون أن يعرفو حقيقة الأمر، إذ من عرف حال الناس الخاصة والعامة منهم في إهمال الأحوال والشؤون التاريخية فيما هو أهم من هذه المسألة لا يستكبر خفاء حقيقة الأمر كل هذه المدة، فإنها قد تخفى عليهم أحداث وأمور قريبة العهد منهم، وما ذلك إلا ما شكاه الموفق أبوالحسن ابن أبي بكر الخزرجي في مقدمة تأريخ اليمن، قال ما نصه: (حداني على جمعه - أي تأريخه هذا - ما رأيت من إهمال الناس لفن التأريخ مع شدة احتياجهم إليه وتعويلهم في كثير من الأمور عليه .. الخ)؛ فإذا كان إهمال الناس لأمور وأحوال هي من شأن عصرهم فمن باب أولى أن يكون التفريط فيما بعد زمانه وتوار عن الأنظار مكانه، والحال في هذا يصدق فيه ما قال بعضهم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير