تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بكير بن ماهان فقد استعمله محمد بن علي العباسي بعد وفاة أبي رباح ميسرة النبَّال، فقد جاء إلى محمد بالحميمة وأخبره عن شيعته بالكوفة، وأوصاه محمد بن علي أن يدعو إلى الرضا من آل محمد، ويذكر جور بني أمية، وأن آل محمد أولى منهم بالأمر، وأوصاه أن يُحذر شيعة بني العباس التحرك في شيء مما يتحرك فيه بنو عمَّهم من آل أبي طالب، فإنَّ خارجهم مقتول، وقائمهم مخذول وليس لهم في الأمر نصيب، وخوّفه جماعة أهل الكوفة وأمره أن لا يقبل منهم أحداً إلا ذوي البصائر، فإنهم لا يُعزُّ به من نصروه ولا يوهنون بخذلانهم من خذلوه (77). وكان بكير بن ماهان رجلاً مُفوَّها، فقام بالدُّعاء وتولى الدعوة بالعراقين. وكانت كتب الإمام تأتيه فيغسلها بالماء، ويعجن بغسالتها الدقيق، ويأمر فيُختبز منه قرص، فلا يبقى أحد من أهله وولده إلاَّ أطعمه منه (78) وهذا يُشير إلى النفوذ الروحي لمحمد بن علي العباسي على أتباعه ولا شك أن هذا الأمر ساهم بشكل كبير في نجاح الدعوة العباسية، وقد أنفق بكير بن ماهان أموالاً طائلة في نصرة الدعوة (79).

(ب) مجالس الدعوة العباسية:

ذكر مصنف أخبار الدولة العباسية أن بكيراً كوّن مجالس الدعوة العباسية المختلفة سنة عشرين ومائة (80)، وفي حديثه عن بعضها تعميم ووهم، فإن مجالس النُّقباء، ومجلس السبعين أُلفا في سنة مائة، روى ذلك أكثر المؤرخين، واتفقوا عليه، ويبدو أن بكيراً جمع رجال المجلسين (81) (81)، وتبادل معهم الرأي في شؤون الدعوة العباسية، وأقرَّهم وأبقاهم في مناصبهم ولم يعزل أحداً منهم، ولا سيما النقباء، فإن أسماءهم عند مُصَنفَّ أخبار الدولة العباسية (82)، وعند غيره من المؤرخين (83) متطابقة، وأما سائر رجال السبعين فإنه استَقَلَّ بسرد أسمائهم إذ لم يشاركه أحد من المؤرخين في ذلك (84)، ويبدو أن بكيراً أنشأ بقية المجالس التي ذكرها مُصَنَّف أخبار الدولة العباسية لأنها لم تُعرف قبل هذا التاريخ، وهي: مجلس نظراء النقُّباء. وهو يتألف من اثنى عشر رجلاً، وقيل من عشرين أو أحد وعشرين رجلاً وقد سمّاهم جميعاً (85) ومجلس الُّدعاة، وهو يتألف من سبعين رجلاً، وقد سمَّى منهم خمسة وستين رجلاً (86) ومجلس دعاة الُّدعاة ولم يُحدَّد عدد رجاله، وقد سَمَّى منهم سبعة وثلاثين رجلاً (87). وفي كل مجلس من هذه المجالس طائفة من رجال مجلس السبعين. ونصَّ على أن النُّقباء الاثنى عشر ليس بين أحد من أهل العلم فيهم اختلاف، فأما نُظراء النُّقباء والسبعون قد اختلف فيهم (88). ثم أخذ بكير البيعة على من حضره من شيعة – بني العباس – على مناصحة إمامهم في السَّر والعلانية، وألا يُطلعوا على أمرهم أحداً خافوا ناحيته ولم يثقوا به، وجمعوا مالاً كثيراً، وأتوه به، وخلف عليهم سليمان بن كثير الخزاعي، وأمرهم إذا حزبهم أمر أن يجتمعوا إليه فيناظروه فيه عنده، وأمرهم أن يأخذوا برأي أبي صالح كامل ابن مظفر فإنه ثقة في رأيه وشفقته، وشخص إلى جرجان، فلما قدِمها أقام بها شهراً، وجمع له شيعتها مالاً وحُلياً ثم سار منها إلى الكوفة، فلما بلغها مكث بها يسيراً، ثم توجَّه إلى محمد بن علي، فدفع إليه ما قدم به (89)، ولبث في الحُميمة زمناً، ثم رجع إلى الكوفة أول سنة (122هـ) اثنين وعشرين ومائة (90).

(3) البعد التخطيطي وقراءة الواقع عند محمد بن علي العباسي:

إن التخطيط والتنظيم من الأسس المهمة في نجاح الدعوات وقيام الدول، حيث كتب محمد بن علي كتاباً لقادة التنظيم العباسي ليكون لهم مثالاً، وسيرة يسيرون عليها قائلاً: أما الكوفة وسوادها فشيعة علي وولده، وأما البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف، تقول كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل، وأما الجزيرة، فحرورية ما رقة، وأعراب كأعلاج، ومسلمون في أخلاق النصارى، وأما أهل الشام فلا يعرفون إلا معاوية، وطاعة بني أمية، وعداوة راسخة، وجهلاٍٍ متراكماٍ، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بأهل خراسان، فإن هناك العدد الكثير، والجلد الظاهر، وهناك صدور سليمة، وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء، ولم تتوزعها النحل، ولم يقدح فيها فساد، وهم جند لهم ابدان، وأجسام، ومناكب، وكواهل، وأصوات هائلة ... وبعد: فإني أتفاءل إلى المشرق، وإلى مطلع سراج الدنيا، ومصباح الخلق (91).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير