الكرماني فنزل عنده واجتمعا، فاتفقا على حربه ومخالفته وتحّول أبو مسلم إلى موضع فسيح وكثر جنده وعظم جيشه واستعمل على الشرط والحرس والرّسائل والّديوان وغير ذلك مما يحتاج الملك إليه، وجعل القاسم بن مُجاشع التَّميميَّ – وكان أحد النقباء – على القضاء، وكان يُصلي بأبي مسلم الصَّلوات، ويقص بعد العصر، فيذكر محاسن بني هاشم ويذُمُّ بني أُمية. ثم تحول أبو مسلم فنزل بقرية يقال لها آلِينُ (185) وكان في مكان منخفض، فخشى أن يقطع عنه نصر ابن سيار الماء وذلك في سادس ذي الحجّة من هذه السنة، وصلَّى بهم يوم النَّحر القاضي بن مجاشع، وسار نصر بن سيار في جحافل قاصداً قتال أبي مسلم، واستخلف على البلاد نّواباً (186).
(أ) طلب نصر بن سيار المدد من مروان بن محمد:
نشبت الحرب بين نصر بن سيار وبين الكرماني وهو جديع بن علي الكرماني، فقتل بينهما من الفرقين خلق كثير، وجعل أبو مسلم يُكاتب كُلاً من الطائفتين ويستميلهم إليه، يكتب إلى نصر وإلى الكرماني: إنّ الإمام قد أوصاني بكم خيراً، ولست أعدوُ رأيه فيكم. وكتب إلى الكور يدعو إلى بني العباس، فاستجاب له خلق كثير وجمُّ غفير، وأقبل أبو مسلم، فنزل بين خندق نصر بن سيار وخندق جديع الكرماني، فهابه الفريقان جميعاً وكتب نصرُ بن سيار إلى الخليفة مروان بن محمد، الملقب بالحمار يعلمه بأمر أبي مسلم، وكثرة من معه، وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد وكتب في كتابه:
أرى بين الرّماد وميض جمرٍ ... فأحْرِ بأن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذْكى ... وإن الحرب مبْدؤها الكلام
فقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام
فكتب إليه مروان: الشاهد يرى مالا يرى الغائب: فقال نصر: إن صاحبكم قد أعلمكم أن لا نصرة عنده (187) وبعضهم يرويها بلفظ آخر.
أرى خَلَلَ الرماد وَميضَ نار ... فيو شك أن يكون لها ضِرام
فإن النارَ بالزندين يوُرَى (188) ... وإن الحرب أولها الكلام
لئن لم يُطفِها عقلاء قوم ... يكون وَقودَها جثت وهام
أقول من التعجُّب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم ينام
فإن كانوا لحينهم نياماً ... فقل قوموا فقد حان القيام
وكتب إليه:
أبلغ يزيد وخير القول أصدَقُهُ ... وقد تبّينت أن لا خير في الكذب
بأن خراسانَ أرض قد رأيت بها ... بيضاً لو أفرخ قد حَُّدثتَ بالعجب
فِراخ عامين إلا أنها كبرت ... لمّا بُطِرنَ وقد سُرْبِلْنَ بالزَّغَبِ
فإن يطرن ولم يُحْتَلْ لهنّ بهَا ... يُلهبن بِنيرانَ حرب أيَّما لَهَب (189)
فبعث ابن هبيرة بكتاب نصر إلى مروان (190).
(ب) دعاية نصر بن سيار ضد دعوة أبي مسلم الخراساني:
شنّ نصر بن سيار حملة دعاية قوية ضد شيعة بني العباس ووصفهم بأنهم أخلاط من الناس لا أصول لهم، ولا ذمم عندهم، فهم غرباء مجهولون ودُخلاء مغمورون، لا ينتمون إلى العرب المذكورين، ولا إلى الموالي المعروفين، واتهمهم بأنهم ليسوا من المسلمين ولا من الكتابييَّن فهم يعتنقون نحلة مخالفة لكل الأديان، وزعم أنهَّهم يبتغون إبادة العرب واستعبادهم، ويرومون سبي نسائهم وهتك أعراضهم وانتهاك حرماتهم (191) حيث قال:
أبلغ ربيعة في مرو وإخوتهم ... فليغضبوا قبل أن لا ينفع الغضب
ولينصبوا الحرب إن القومَ قد نصبوا ... حربا يُحّرق في حافاتها الحطب
ما بالكم تَلْحِقون الحرب بينكم ... كأن أهل الحِجاَ عن فِعِلكم غُيُبُ (192)
وتتركون عدّواً قد أحاط بكم ... فيمن تأشَّبَ (193) لا دين ولا حسب
لا عرب مِثلُكُم في الناس تعرفهم ... ولا صريح موالٍ إن هم نُسِبُوا
من كان يسألني عن أصل دينهم ... فإن دينهم أن تهلك العرب
قوم يدينون ديناً ما سمعت به ... عن النبي ولا جاءت به الكتب
ويقسم الخُمس من أموالكم أُسَراً ... من العلوج ولا يبقى لكم نَشَبُ (194) وينكحوا فيكم قسْراً بناتكم ... لو كان قومي أحراراً لقد غضبوا
ذروا التفرق والأحقاد واجتمعوا ... لِيُوصل الحبل والأصهار والنَّسَبُ (195)
إن تُبعدوا الأزده مِنّا لا نُقَّربها ... أو تدن نحمدهم يوماً إذا اقتربوا
أتخذِلُون إذا احتجنا وننصُرُهم ... لبئس والله ما ظنُّوا وما حسبوا (196)
¥