تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مبرر للمقاومة فجرت محادثات للصلح وأعطى أبو جعفر أمانا لابن هبيرة شاور فيه ابن هبيرة الفقهاء والعلماء أربعين يوماً حتى يرى نقاط الضعف والقوة فيه، ثم وافق عليه، وأرسله إلى أبي جعفر لأخذ موافقة الخليفة عليه وقد أورد ابن أعثم الكوفي نص الأمان. على أن السلطة العباسية لم تكن لتحتمل ذلك القائد والوالي ذا النفوذ القبلي الكبير والذي كان يعامل أبا جعفر وكأنه مساوياً له من حيث المنزلة وكان يحف به في ذهابه وإيابه 800 مقاتل بين فارس وراجل (252).

والواقع فإن أبا جعفر أراد أن يكسبه للدولة الجديدة فكان يقول: عجباً لمن يأمرني بقتل مثل هذا. كما أنه كان يستشيره فيشير إليه قائلاً: إن دولتكم هذه جديدة فأذيقوا الناس حلاوتها وجنبوهم مرراتها لتسرع محبتكم إلى قلوبهم ويعذب ذكركم على ألسنتهم (253)، على أن الخليفة أمر أبا جعفر بقتله لأسباب سياسية وتعددت الروايات التاريخية في أسباب قتله فمنهم من يذكر أنه كان بتحريض من أبي مسلم الذي كتب إلى الخليفة: أنه قلّ طريق سهل تلقى فيه حجارة إلا ضّر ذلك بأهله ولا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة (254) وقد تردد أبو جعفر في قتله وقال: لا أفعل وله في عنقي بيعة وأمان: فأجابه أبو العباس: والله لتقتلنه أو لأبعثن إليك من يخرجه من عندك ويتولى ذلك عنك (255) وواضح أن الخليفة رأي في ابن هبيرة خطرا على الدولة الجديدة ووافقه في ذلك أبو مسلم (256) قال الذهبي في مقتل ابن هبيرة .. فحاصره المنصور مدة ثم خدعه المنصور وآمنه، ونكث فدخلوا عليه داره فقتلوه صبراً وابنه داود ومماليكه وحاجبه، فسجد لله فنزلوا عليه فهبروه (257)، وكان بطلاً، شجاعاً، سائساً، جواداً، فصيحاً خطيباً (258)، وكان رزقه في السنة ست مائة ألف وكان يفرقها في العلماء والوجوه (259). وهكذا قضى العباسيون على جيب من الجيوب الأموية في العراق وسقطت مدينة واسط (260).

(2) استسلام البصرة:

اعتصم مسلم بن قتيبة الباهلي بالبصرة ودافع عنها بصفته الوالي الأموي وظل مسلمٌ فيها حتى علم بمقتل ابن هبيرة وحينئذ ترك البصرة إلى الحجاز وعين بدله أحد الهاشميين واليا على البصرة حيث استبدله أبو العباس سفيان المهلبي وبهذا سيطر العباسيون على البصرة، لقد استطاع العباسيون أن يقضوا على فلول الأمويين ومراكزهم الحصينة في العراق وبلاد الشام، وقضوا على آخر خلفائهم مروان الثاني (261).

سابعاً: مقتل مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين 132ه

استولى عبد الله بن علي العباسي على الجزيرة والشام وهرب مروان بن محمد إلى مصر، فتبعته الجيوش العباسية وعبر مروان النيل فلحقه صالح بن علي عّم السَّفَّاح، فأدركه بقرية من قرى الفَيُّوم من أرض مصر يقال لها بُوصير (262)، فوافاه صائماً وقد قدّم له الفطور، فسمع الصائح فخرج وسيفه مصلت، فجعل يضرب بسيفه ويتمثل بقول الحجَّاج بن حكيم:

متقلَّدين صفائحاً هندية ... يتركن من ضربوا كأن لم يولد

وإذا دعوتهم ليوم كريهة ... وأفوك بين مكبر وموحَّد

فقصدته الخيول من كل جانب (263)، وبقي يقاتل حتى قتل وكان من كلامه قبل أن يقتل: (إن الجزع لا يزيد في الأجل وإن الصبر لا ينقص الأجل) وكان يتمثل بهذين البيتين كما جاء في بعض الروايات:

ذلُّ الحياة وهول الممات ... وكلاَّ آراه وخيماً وبيلا

فإن كان لا بد من ميتة ... فسيري إلى الموت سيراً جميلاً (264)

وكان أهله وبناته في كنيسة هناك فأقبل خادمه بالسيف مصلتا يريد الدخول عليهم، فأخُذ وسئل عن مراده فقال: إن مروان أمرني إذا تيقنت موته أن أضرب رقاب نسائه وبناته فأرادوا قتله، فقال: إن قتلتموني لتفقدن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم – قالوا: فدلنا على ذلك إن كنت صادقاً، فخرج بهم إلى رمل هناك، فكشفوه فإذا فيه القضيب والبُرد والقَعبُ ... فأخذوه وكان الذي تولى قتله عامر بن إسماعيل الخُراساني، وهو صاحب مقدمة صالح ولما قتله دخل بيته، وركب سريره، ودعا بعشائه، وجعل رأس مروان في حجر ابنته، وأقبل يوبخَها، فقالت له: يا عامر، إن دهراً أنزل مروان عن فراشه وأقعدك عليه حتَّى تعشيت عشاءه لقد أبلغ في موعظتك، وعمل في إيقاظك وتنبيهك إن عقلت وفكرت، ثم قالت: وا أبتاه وا أمير المؤمنيناه، فأخذ عامراً الرُّعب من كلامها، وبلغ ذلك أبا العباس السَّفَّاح، فكتب إلى عامر يوبخَّه ويقول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير