ماذا - أيضا - يستهدف طه حسين من هذه الدعوة السخيفة إلى جاهلية الفراعنة؟ كيف يدعو مفكر إسلامي إلى العودة الانتكاسية إلى جاهلية الأوثان وبدائية التصور وفطرية السلوك وخرافة المعتقدات؟
وماذا يبتغي من جذبهم إلى الفرعونية الهالكة إلا سلخهم من الانتماء إلى أمة الإسلام ودين الإسلام ونبي الإسلام؟
في أيام هذا المفكر الفرعوني ردّ عليه الدكتور زكي مبارك قائلا:
"إنك تعرف أن مصر ظلت ثلاثة عشر قرنا، وهي مؤمنة بالعقيدة الإسلامية، والأمة التي تقضي ثلاثة عشر قرنا في ظل دين واحد لا تستطيع أن تفرّ من سيطرة هذا الدين".
ومعلوم ما يثبته المؤرخون من ((الانقطاع الحضاري)) الذي أحدثه الإسلام في نفوس المصريين، حين نفضوا أنفسهم تماما من التراث الفرعوني واليوناني والروماني، وتركوا هذه الحضارات تذوب وتضمحل، وآمنوا بالإسلام وتشربوا في معاملاتهم ولغتهم وسلوكهم ولم تكن لهم ثقافة خاصة منفصلة عن الثقافة الإسلامية الأصلية.
ورغم أن هذه الفكرة الساقطة - فكرة الانسحاب من العقيدة القوية المسيطرة، إلى أوهام القرون البدائية المنقرضة - لم يتقبلها المصريون أنفسهم، ولم يكن لها من بينهم دعاة يعتد بهم، فإنه من الواضح أن كثيرا من المستشرقين يحتضنونها في حدب شديد، ويعتبرونها ركيزة أساسية في محاولاتهم المستمرة والمتكررة لهدم الإسلام.
ونحن هنا نلفت الأنظار بقوة إلى أن كل دعوة قومية لإحياء العنصرية العرقية إنما هي دعوة مشبوهة، لأنها ضد الدين في المبدأ والأساس.
ثالثا: ادعاؤه الكاذب أن الدين ((ظاهرة اجتماعية)):
ارتأى طه حسين - والحقد حشو فمه - أو قل: إنه نقل نقلا حرفيا عن أستاذه اليهودي ((إيميل دوركايم)) ذلك الرأي الخطير الكافر، الذي يطيح بكل تراث طه حسين وشخصيته وتاريخه:
"إن العالم ((الحقيقي)) (!!) ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة، وكما ينظر إلى الفقه، وكما ينظر إلى اللباس .. من حيث إن هذه الأشياء كلها ((ظواهر اجتماعية)) يحدثها وجود الجماعة. وإذن نصل إلى أن الدين في نظر العلم لم ينزل من السماء، ولم يهبط به الوحي، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها .. ".
إذن فطه حسين، هذا المنبع الكدر لتيارات الإلحاد والتشكيك، هو السبب في ذيوع هذه الفكرة السامة التي روّجتها ألسنة الأغرار من الناشئة وأدعياء الثقافة والفلسفة، ونشرتها أقلام الكتاب من كل مسلوبي الشخصية وضعاف العقيدة في هذا العصر، الذين روّجوا أن الدين ظاهرة اجتماعية!! ظاهرة اجتماعية تصدر عن الجماعة، وتتطور معها، وليست بوحي سماوي من الله تعالى. وطه حسين أيضا- وقد ازداد بغيا وعتوا، وإفسادا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله – فقد رتّب على هذه النظرة المتحدية للدين ما يلي:
1 - "أن الدين يجب أن يُعلّم فقط كجزء من التاريخ القومي، لا كدين إلهي منزل لإصلاح أحوال البشر". ويرى: "أن القوانين الدينية لم تعد تصلح في الحضارة الحديثة كأساس للأخلاق والأحكام، ولذلك لا يجوز أن يبقى الإسلام في صميم الحياة السياسية أو كمنطلق لتجديد الأمة". ويرى: "أن الأمة تتجدد بمعزل عن الدين". وما من شك هنا أن هذا الملحد الجريء إنما يعرض للإسلام من منظور المسيحية، ويجهل أو على الأصح يتجاهل بخبث شديد الفرق الهائل بين الإسلام والمسيحية. فبينما المسيحية تعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، فالإسلام يتناول الحياة كلها بتشريع كامل لا ينفصل فيه دين عن دنيا (إلا في أذهان العباقرة أمثال عميد الأدب الراحل) … وصدق الله مولانا في كتابه الكريم: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
2 - أن النص المثبت في الدستور المصري بأن الإسلام دين الدولة، لا ضرورة له. يقول: "لم أكن في اللجنة التي وضعت الدستور القديم، ولم أكن بين الذين وضعوا الدستور الجديد ولم يستشرني أولئك ولا هؤلاء هذا النص والذي اشتمل عليه الدستور والذي يعلن للدولة المصرية دينا رسميا هو الإسلام .. ولو استشارني أولئك أو هؤلاء لطلبت إليهم أن يتدبروا ويتفكروا قبل أن يضعوا هذا النص في الدستور!!! ".
رابعا: تهوينه من شأن العرب والحضارة العربية الإسلامية ..
¥