الفائدة: اعجب بعد ذلك كلّه من اعتقاد كثير من النّاس أنّ الإنسان سمّي بذلك لكثرة النّسيان!
واعجب أكثر لأمر هؤلاء الّذين يصدّقون أنّ فلانا من النّاس رأى أو التقط صورة جنّي!! مع أنّ لفظة (جنّي) معناها الاستتار والاختفاء؟! فمادّة (ج ن ن) تدلّ على ذلك كلّه كما قال ابن فارس، فما سمّي الجنيّ بذلك إلاّ لاستتاره، وما سمّي الجنين جنينا إلاّ لاختفائه، وما سمّي المجنون مجنونا إلاّ لاختفاء عقله وجنانه، وما سمّيت الجنّة جنّة إلاّ لأنّها أرض سُترت بالأشجار وغير ذلك، وما قيل: جنّ اللّيل إلاّ لأنّه يستر الكون بإقباله، وما سمّي الدّرع (مِجنّاً) إلاّ ليستر المقاتل في نِزاله، وعلى ذلك فقس.
الكلمة الثّانية: (خلق).
فالفعل (خلق) له ثلاثة معان في اللّغة:
أ) الإيجاد من عدم، وهذا لا يطلق إلاّ على الله تعالى.
ب) التّقدير والقياس، تقول خلقت كذا إذا قدّرته وقسته، ومنه قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السسلام: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرا} [آل عمران: من الآية 49].
ج) والكذب، كقوله تعالى-على قول-: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} [العنكبوت: من الآية 17]، أي تكذبون كذبا، ومنه الاختلاق: وهو الكذب، والحديث المختلق هو الموضوع المصنوع، وقد قرئ: {إِنْ هَذَا إِلَّا خَلْقُ الْأَوَّلِينَ}. [الشعراء:137].
الفائدة: من أجل ذلك ذهب كثير من أهل العلم إلى أنّه لا يجوز أن يقال عن المخلوق: إنّه خلق فرصة، وخلق كذا، ونحو ذلك، وإنّما يقال أبدع وأنشأ، فذاك أقوم للّسان وأكثر أدبا مع الرّحمن. [انظر " تقويم اللّسانين " (ص 14)].
فإن قال قائل: أليس المعنى واحدا، فلِمَ تُحجّرون واسعا؟
قيل له: حنانيك أخي الكريم، فإنّ الألفاظ لها في الكلام وزنها، وعلى السّماع ثقلها، ألا ترى كيف نهى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أن ينادي العبد سيّده: ربّي، والسّيد عبدَه: عبدي، وأمر العبد أن يقول: سيّدي، والسّيدَ أن يقول: فتاي.
ألا ترى أنّ كلمة (أعوذ) بمعنى ألجأ وأستجير، ومع ذلك لا يحسُن بأحد أن يقول: أعوذ بفلان، ولكن ليقلْ: أستجير، وغير ذلك.
الكلمة الثّالثة: (زوجها).
الزّوج في اللّغة: الفرد الّذي له قرين، أي الصّنف الواحد الذي له ما يماثله، أو يخالفه، قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}، فكلّ منهما زوج، فالرّجل زوج المرأة، وهي زوجه، كما في قوله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وفي قوله: {اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ}، ويقال أيضا: هي زوجته، قال الرّاغب رحمه الله: " وهي لغة رديئة ".
وكلام الرّاغب صواب، لكنْ يُحتاج إلى هذا اللّفظ في قسمة الميراث، للتّمييز بين قسمة الرّجل والمرأة.
الفائدة: فلا يقال إذن لـ (لاثنين): زوج-كما هو لسان العامّة-، إنّما يقال: زوجان، أي صنفان، فإن لم يكن له ما يقارنه فهو فرد، ألا ترى أنّك تفهم من قوله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج} [الأنعام: من الآية 143] أنّها ثمانية لا ستّة عشر، وقال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود: من الآية 40] أي: صنفين، وقال: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذّاريات:49]، وقال: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرّحمن:52] أي: صنفان.
فكلّ مقترنين متجانسين كانا أو نقيضين فهما زوج.
الكلمة الرّابعة: (رجالا).
أصل الكلمة: الشدّة والصّلابة مع الاستقامة.
فإنّ العرب تقول: هذه أرض رجلاء: أي صلبة كثيرة الحجارة.
وتطلق اللّفظ أيضا على ما فيه استواء وتمام، ومنه سمّي المُشط مِرْجَلا، لأنّه يُسوّي الشّعر ويقِيمه، ومنه الحديث الّذي رواه التّرمذي وأبو داود والنّسائي وأحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَنْ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا)).
وكذلك أطلقوا على القدر مرجل، لأنّه يستوي فيه الطّعام.
الفائدة: فانظر -رحمني الله وإيّاك- إلى أصل الكلمة ثمّ انظر إلى صنفين من الذّكور!:
1 - صنف لاَنَ حتَّى تخنّث، فلا هو مذكّر ولا مؤنّث، فتراه نسي أصل تسميته، وعلّة تكرمته، فالحذر كلّ الحذر أيّها الآباء والأمّهات من أن ينشأ الولد مع الإناث، ويتنعّم بالفاخر من اللّباس والأثاث، فإنّها أوّل خطوات الابتعاد عن الرّجولة، وبداية الانحلال عن عُرى المروءة والفحولة.
أمّا الأنثى فالشّيء من معدِنه لا يُستغرب، فما سمّيت الأنثى بذلك إلاّ لأنّ اللّفظ يدلّ على ذلك، تقول العرب: سيف أنيث، أي: ليّن.
وعليه، فأيّما امرأة ترجّلت فقد خالفت الشّرع والأدب، ونقضت معنى الكلمة عند العرب.
2 - صنفٌ نسي أنّ أصل معنى الرّجل: الاستواء والاستقامة، فتراه صبيّا يتقمّط في حجر اللّعب واللّهو، والطّيش والزّهو، متشبّثا بسفاسف الأمور غافلا عن معاليها، بعيدا عن خلال المروءة جاهلا بمعانيها، فاللهمّ سلّم سلّم.
الكلمة الخامسة: (نساء).
النّسوة-بالكسر والضمّ-والنّساء والنِّسوان والنُّسوان: اسم جمع لـ: (امرأة) لأنّه من غير لفظه، كما يقال: ذلك وجمعه: أولئك.
قال ابن سيده: " والنّساء جمع نسوة إذا كثرن ".
وأصل الكلمة من نسأ ينسأ: إمّا بمعنى الزّيادة، أو التّأخير كما هو معلوم، وجنس النِّساء زائد على الأصل، ومتأخّر عن الرّجال في الخلق كما تدلّ عليه الآية، والله أعلم وأعزّ وأكرم.
¥