تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد شعر الغزاة من أول وهلة أنه لو تركت الأملاك الإسلامية والفردية في يد المسلمين فانه لا يمكن للمهاجرين الأروبيين (الفرنسيين) شراء الأملاك والإستقرار في البلاد. ومن جهة أخرى شعروا بأنه بواسطة الأروبيين فقط يمكن انشاء ادارة للحسابات وتوفير مصاريف الصيانة واعطاء الوصولات ومن ثم إيجاد العقارات للأروبيين وقد حاول الأروبيون فعلا شراء الأملاك من المسلمين الجزائريين ولكنهم وجدوا صعوبة في ذلك فقد تدخل اليهود كوسطاء بينهم وبين المسلمين (80) فارتفعت الأثمان وقلت الضمانات خصوصا بالنسبة لشراء أملاك الغائبين كما أن حصص البيع معقدة إذ هناك من يبيع فقط الربع أو الخمس من

الحصة (81) الخ. أما حين وضع الدومين يده على الأملاك فقد سهل على الأروبيين الحصول على الأملاك وأعطاهم الضمانات. وكان المشتري الاروبي (ابتداء من عهد كلوزيل) معفى من كل شيء سوى أن عليه أن يدفع الفائدة للدولة.

وأول ما بدئ في بيعه للأروبيين المنازل الخاصة والمقابر الواقعة عند باب الوادي ورغم ورود عبارة تعويض في القرارات الرسمية فإن ذلك لم يقع (82).

وإذا كان الأفراد قد احتجوا ودافعوا عن أنفسهم بدون جدوى في غالب الأحيان للحصول على تعويضات عن أملاكهم المصادرة فإن الأوقاف كانت من أكثر المؤسسات ضياعا إذ يقر يقر حتى كتاب الفرنسيين أن مؤسسات الوقف ظلت بدون تعويض. ويدعون أن ذلك راجع الى تقادم العهود وضياع الوثائق واختفاء الورثة.

وهكذا اختفت الأوقاف بسرعة ولا سيما أوقاف الإنكشارية والطرق العامة والعيون الخ وذابة ميزانية الدولة (83) وعلى كل حال فإن قضية التعويض عن الأملاك الفردية كتانت السبب في رفع الشكاوى المستمرة من أعيان الجزائر وعندما عجزوا وطغت أيدي الظلم هاجر الكثير من أصحابها وافتقر الباقون حتى أصبحوا من المتسولين أما أملاك الوقف المشار إليه فقد وقع اغتصابها قهرا وعدوانا وكان ذلك سببا في ظمور حركة التعليم واختفاء المعلمين وغلق المدارس.

إن قرارات الإستيلاء على الأملاك بكل أنواعها قد استمرت في الظهور بين 1830 - 1837 وازدادت تضييقا وجورا أيضا في قرارات 1839 1842 1848 وكان الهدف كما ذكرنا تفقير الجزائريين وإجبارهم على الهجرة وترويضهم سياسيا عن طريق الاقتصاد والحصول على الأملاك للأروبيين (منحة وبيعا) الواردين على الجزائر بقصد الإستيطان والإستعمار. ولم تكن تلك القرارات مقتصرة على الأملاك في مدينة الجزائر بل شملت كل المدن التي وقعت بالتدرج فريسة للإحتلال الفرنسي مثل وهران وتلمسان وعنابة وبجاية والمدية والبليدة ثم قسنطينة وغيرها. كما شملت القطاع الريفي أيضا بعد ةالقبض على مقاليد الامور في المدن.

وكان بعض الفرنسيين أنفسهم ينددون بتلك الإجراءات خصوصا الاستيلاء على الأملاك الفردية بدون تعويض والاملاك الدينية (الأوقاف) وتعطيلها عن أداء وظيفتها ومنهم (دي صاد) عضو اللجنة الإفريقية وعضو البرلمان الفرنسي الذي استنكر سنة 1834 التخريب الكامل ل 900 منزل بدون إخطار أصحابها مسبقا وبدون أي تعويض مما أجبر كما قال عشرة آلاف مواطن جزائري على الهجرة من العاصمة ومنهم 300 عائلة من الأعيان (84). بالإضافة إلى ترحيل من أسماهم الفرنسيون بالأتراك الذين بلغ عددهم أكثر من خمسة آلاف شخص. وقد استمرت الهجرة من المدن الجزائرية بعد سنة 1834 طبعا. والمعروف أن أليكسيس دي طوكفيل الكاتب والبرلماني الفرنسي كان على رأس الذين استنكروا تعطيل الأوقاف عن مهمتها رغم غيمانه بضرورة الإستعمار.

وقد كانت المدن الجزائرية وعلى رأسها العاصمة مضرب المثل في النظافة والأمن وكثرة الحدائق والبساتين وبهاء الدور ووفرة المياه حتى تغنى بها الأدباء والشعراء العرب وسجل ذلك الرحالة الأروبيون قبل الإحتلال الفرنسي فإذا بها تصبح بعد الإحتلال بسنوات قليلة مضرب المثل في الأوساح وذبول الحدائق وانتشار الأمراض المعدية الواردة مع الجنود والفساد الأخلاقي والغش والمضاربات والفوضى وانعدام الأمن خصوصا أيام تولى (دو بينوس) شؤون الشرطة وتولى القنصل السابق (دوفال) شؤون العدل ذلك أن بورمون قد أباح المدينة لآلاف الجنود والمرافقين لهم من حثالات فرنسا فعاثوا في المدينة فسادا واعتداء وتخريبا وحماقة واهانة وهذا أمر مسجل في كتبهم وبينا الأمر كذلك مع الجنود كان الضباط كما قال مؤرحهم (بول آزان) قد استولوا على الفيلات والقصور وجلسوا يتفرجون ويكتبون الرسائل لذويهم وخليلاتهم وها هو النائب دي صاد الذي سبق ذكره يقول لزملائه في البرلمان سنة 1834 ان الجزائر كانت مليئة بالحدائق والمحلات الجميلة .. ولكنها الآن (أي بعد أربع سنوات) أصبحت جميعا خرائب وحتى أنابيب المياه التي تسقي المدينة قد خربت (85) وهل بعد ذلك نستغرب أن يذكر لنا بول آزان في باب المدح والثناء سجلات كل من تولى أمور الجزائر في هذا العهد (1830 - 1837) منوها بما بذله من أجل الحياة الصحية والنظافة بعد أن يقدم لذلك بعبارات تثير الإشمئزاز عما وصلت اليه حالة المدينة قبل توليه من الإهمال والتعفن ولكن بول آزان وأمثاله لا ينسبون ذلك الى الإحتلاونتائجه لأن عين الرضى عن كل عيب كليلة ....

عن كتاب (الحركة الوطنية الجزائرية) للدكتور أبو القاسم سعد الله ص 72 وما بعدها

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير