وليس لتعليم الزاوية والجماعة مستقبل ينتظر خريجه ولا امتحان يكشف عن حال المتعلم وانما يتخرج متخرجه باجتهاد الشيخ واذنه فيأخذ في البحث عن عمل فلا يجد عند الشعب والزاوية لمهمته محلا الا قليلا ثم لا يجد الا الحزابة تلاوة حزب مقدر في وقت معين بمسجد خاص
ان دراسة هذا الدور المجاوي تنتج انه لا يختلف عن ادوار الانحطاط قبله الا في التعليم الرسمي وانما أضفناه الى هذا الشيخ
لكثرة تلاميذه فيه لا سيما بعمالة قسنطينة وقد كان لعهده شيوخ علم وتعليم ولكنهم لم ينتجوا انتاجه ولا شهروا شهرته
وقطعنا هذا الدور عما قبله لأن نبغاء الادوار السابقة عليه لم تتصل معهم نهضة يعدون نواة لها أما الدور المجاوي فقد اتصل بالدور الباديسي دور اليقضة والنهوض
وأشهر علماء هذا الدور الشيخ حمدان الونيسي القسنطيني الذي هاجر الى المدينة المنورة وتوفى فيها- رحمه الله- وهو من تلاميذ الشيخ المجاوي
وأشهر أدبائه ولكن من غير تلاميذ المجاوي الشيخ عاشور الخنقي من (خنقة سيدي ناجي) على أبواب صحراء قسنطينة كان هجاء بليغا قلما يجيد في الثناء قويا في القؤيض ضعيفا نثيره ولم يدون من شعره الكثير القصائد القليل الاغراض الأدبية الا ما دونه هو نفسه في سفر لطيف وهو خاص بقضية (الشيخ صالح بن مهنا) الذي خمل حملة علمية أثرية على الطرقية ومدعي الشرف وقد سمى سفره ذلك (منار الأشراف على فضل عضاة الاشراف ومواليهم من الأطراف)
نهض لنقضه منافسه على زاوية الهامل الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي من جنوب عمل الجزائر وسمى نقضه (هدم المنار وكشف العوار)
ويغلب على هذا الدور التقرب من الزوايا أو التسليم لشيوخها أحياء أوموتى وكان الشيخ صالح بن مهنى –رحمه الله- ممن ارتحل الى المشرق وقرأ بالأزهر فلما عاد الى قسنطينة وولي امامة جامعها الكبير أعلن نكيره على العجزة من أبناء الأشراف والزوايا وعلى القضاة في حكمهم بما في الأعمال السياسية وان خالف الثابت في الصحيحين فلقي في ذلك عن الشيخ المجاوي وتلاميذه والشيخ عاشور ومغريه ما لا قبل لأحد به ولم يجد معه غير فؤاده المشيع وقلمه المصمى فلقد كان كاتبا بليغا ومحدثا فقيها
ولم يترك لنا هذا الدور من الآثار القلمية المعبرة عن روح عصره غير ما كتب في هذه القصة وما عداه من التأليف والقصائد تقول فيها الأدوار السابقة (هذه بضاعتنا ردت الينا)
ومادة التدريس في هذا الدور هي مادة المتن والشرح والحاشية فان كان للحاشية تقارير فتلك سدرة المنتهى ومادة التذكير والوعظ في كتب المناقب والرقائق
أما التفسير والحجيث فهما محترمان احترام الخليفة العباسي القائل:
أليس من العجائب ان مثلي .. يرى ما قل ممتنعا عليه
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا ... وما من ذلك شيء في يديه
اليه تحمل الأموال طرا ... ويمنع بعض ما يجبى اليه
تراهم حتى القادرين منهم على فهم التفسير والحديث وتفهيمهما يكبرون تدريسهما وتحكيمهما اكبارا منفرا لمتبعيهم عنهما وقادحا في ديانة من لا يقلدهم في الاعراض عنهما
والشيخ المهدي الوزاني –رحمه الله- من علماء فاس وممن شاركفي الحملة على ابن مهنا كتب رسالة في (السدل) ينقض بها رسالة الشيخ مكي بن عزوز –رحمه الله في (القبض) وجاء فيها بحديث زعمه دليلا للسدل ومعارضا راجحا لدليل القبض ثم اعتذر بأنه انما استدل بالحديث مجاراة للخصم
ولا ندع هذا الدور حتى نسجل أن حركة التعليم به دون حاجة الشعب فنسبة متعلمي الكتابة الى الأميين نسبة ضئيلة مخجلة وهنا ندع الدور المجاوي معتقدين اننا عرضناه عرضا يصور لنا مبلغ حركته في العلوم والأدب ويقف بنا على ما استعادته الجزائر من جامع القرويين اجمالا
قأما الدور الذي يليه فامامه هو الاستاذ الجليل عبد الحميد ابن باديس قسنطيني عريق في المجد مجد العلم والرياسة أخذ بها عن الشيخ حمدان الونيسي وأتم معلوماته بجامع الزيتونة وحصل على شهادته بنوعيها نوع العلوم ونوع التجويد وعلم بها طريقته ونظامه فجمع به بين التحصيل والتمثيل
¥