تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك قوله تعالى عنه أنه قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) فصح عنه أنه قط لم يصب إليها.

وبالله تعالى التوفيق. اهـ

انتهى كلامه رحمه الله تعالى ..

وفيه تقرير قوي في تبرئة نبي الله يوسف من الهم بالفاحشة، خلافاً لكثير من المفسرين وغيرهم من العلماء الذين تكلموا عن هذه الآية الكريمة ..

وعلى ضوء كلامه – رحمه الله - نبين بعض المسائل ..

- أن آية الهم، لابد وأن تفهم من خلال السياق القرآني للقصة ..

فمن قال أنه هم بها أي أراد ما دعته إليه، أو جال بخاطره انسياباً مع الفطرة، وأن هذا الهم لا يؤاخذ عليه لأنه لم يتمه وبالتالي فهو مثاب عليه ..

- فهذا جميل، والأجمل منه أن نثبت عصمته من الهم بالفاحشة لجلالة مقام النبوة.

- وقد قال جمهور السلف أو كادوا أن يجمعوا على أنه ما زنت امرأة نبي قط، وبالتالي أجدر ألا يجول بخواطرهم مثل هذا .. فالقول به في حق الأنبياء آكد وأولى.

- ومما لا شك فيه أن موقف يوسف عليه السلام من المرأة أشهر ما في قصته .. وهو مثار الاختلاف العريض المنثور في المصنفات ..

فإذا أراد الله أن يضرب لهذا النوع مثلا يحكى، ويتعبد بتلاوته آبد الدهر، ويقتدى بما فيه من عبرة، فلا محيص من أن يختار أعلاه سمواً ورفعة وطهراً ..

- وهذا ليس تخرصاً، ولا ضربا من الغيب .. وإنما بتفسير كلام الله بعضه ببعض ..

- فلو فرضنا جدلاً: أن ننسى كل تفسير سمعناه من قبل في موضوع الهم ..

فلننظر الآن بعين الإنصاف ..

- الهم يكون قبل الفعل أم بعده؟

الإجابة المتفق عليها بين جميع العقلاء أن الهم قبل الفعل ..

إذاً فالسياق ذكر بوضوح أن موقف المراودة هو الفعل وقد تم وانتهى، وقد كملت فيه جميع عناصر الفعل، ففيه دعوة المرأة ليوسف إلى الفاحشة صراحة، فعلاً وقولاً ..

قال تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)

أَي المرأة راودت يُوسُف حِين بلغ مبلغ الرِّجَال .. والمراودة الْإِرَادَة والطلب بِرِفْق ولين {الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا} أَي امْرَأَة الْعَزِيز {وغلقت الْأَبْوَاب} أَي أطبقتها {وَقَالَت هيت لَك} أَي هَلُمَّ وتعال وأقبل ..

فهي (راودته .. وغلقت .. وقالت .. )

وذكر الله موقفه الرافض لتلك الفاحشة مبرراً بأمرين:

استعاذته بالله من فعل مشين في حق سيده الذي رباه وأكرمه ..

وأن هذا فعل الظالم الجهول وليس فعل العاقل السوي ..

ومن قال أن معنى ربي هنا هو سيده لا يمنع منه مانع ومن أعاد ضمير إنه إلى لفظ الجلالة لم يكن مخطئا أيضا، غير أن كلمة مثواي جاءت على لسان سيده من قبل ولفظ الجلالة جاء صريحا في قوله معاذ الله، فكون ربي يراد به سيده أليق بالسياق ..

وعلى كل: فهذا موقف صريح في أن الدعوة إلى الفاحشة والعمل لها والتصريح بها وكذا رفض نبي الله يوسف لها ووعظ المرأة وتذكيرها بعاقبة مثل هذا الفعل المشين المنكر ..

وفي معنى المراودة ذكر رشيد رضا في المنار قول الرَّاغِبُ الأصفهاني:

الْمُرَاوَدَةُ أَنْ تُنَازِعَ غَيْرَكَ فِي الْإِرَادَةِ فَتُرِيدُ غَيْرَ مَا يُرِيدُ، أَوْ تَرُودُ غَيْرَ مَا يَرُودُ.

كَأَنَّ الْمَعْنَى خَادَعَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ، أَيْ فَعَلَتْ مَا يَفْعَلُ الْمُخَادِعُ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي لَا يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ، يَحْتَالُ أَنْ يَغْلِبَهُ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَهُ مِنْهُ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّحَيُّلِ لِمُوَاقَعَتِهِ إِيَّاهَا. انْتَهَى. وَلَوْ رَأَتْ مِنْهُ أَدْنَى مَيْلٍ إِلَيْهَا وَهِيَ تَخْلُو بِهِ فِي مَخَادِعِ بَيْتِهَا لَمَا احْتَاجَتْ إِلَى مُخَادَعَتِهِ بِالْمُرَاوَدَةِ. اهـ

فأي قائل بعد ذلك يقول أن الهم هنا هو الهم بالفاحشة، فقد خالف صريح القرآن، الذي صرح بانتهاء موقف الفعل ..

- إذاً: فلكي نعرف معنى هذا الهم؟ لابد من تعمق النظر والملاحظة ..

ونرى الجميع تذهب أذهانهم إلى أن هذا الهم هو حديث النفس وما يجول في الخاطر.

وكأنه ليس له معنى آخر ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير