تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوطني شريحة عريضة من القرّاء والأنصار.

لا نريد هنا أن نؤرّخ للشهاب وتطورها من جريدة إلى مجلّة، ونحلل محتوياتها، وندرس أسلوبها، فقد كفانا ذلك الأستاذ عبد الرحمن شيبان و د. تركي رابح ود. محمد ناصر وغيرهم. ولكن ذلك لا يمنعنا من بعض الإشارات التي بدت لنا من قراءة تاريخ الحركة الوطنية عموما ومسيرة الشهاب خصوصا.

لقد اتخذت الشهاب شعارات من الآيات القرآنية ومن التراث العربي الإسلامي، بل حتى من الثورة الفرنسية، مثل (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة .. )، (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة .. )، إن بعض هذه الشعارات كانت تقصد بها التخفيف من غلواء النقمة عليها بدعوى أنها تعالج القضايا السياسية والإجتماعية بأسلوب الإثارة والتهريج والتثوير (كما تتهمها الإدارة والخصوم)، وذلك ما تعبّر عنه الآيات القرآنية، ولكنها في نفس الوقت كانت تنشر الوعي بين المواطنين بالتركيز على عدم الخوف وإعلانها بأن الحق فوق كل أحد، وعلى حب الوطن والتضحية في سبيله، والفصل بين فرنسا والجزائر، وهي التي تشير إليها الشهاب بعبارة (الوطن قبل كلّ شيء)، وهذه الفكرة (الوطنية) التي أعلنتها صراحة عندما ردت على منكري وجود الوطن الجزائري عبر التاريخ. وكان تلاميذ اين باديس، ومنهم الشاعر محمد الهادي السنوسي، يكثرون من كلمة (وطن) في أدبياتهم ويتغنّون بالجزائر في أناشيد وطنية وقصائد استنهاضية منذ أوائل العشرينات، أي قبل تأسيس الأحزاب السياسية التي أصبحت تقول اليوم إن الوطنية من مبتكراتها.

لقد كانت الشهاب مجلة خاصة بابن باديس وبمشروعه الإصلاحي للجزائر الذي هو في نفس الوقت مشروع حضاري بالنسبة للأمة الإسلامية. فهي ليست الناطقة بلسان المصلحين في الجزائر وإن كانوا يجدون فيها مجالا لطرح أفكارهم ولواء لحمل دعوتهم، وهي أيضا ليست مجلّة لجمعية العلماء التي أصبح ابن باديس نفسه رئيسا لها، رغم أن الشهاب كانت تنشر برنامج الجمعية على الناس وتدافع عن مبادئها، أما الصحف الرسمية للجمعية فقد كانت غير الشهاب (وأطول صحف الجمعية عهدا هي البصائر)، وإلى اليوم ما يزال بعض الباحثين يحسبون مجلّة الشهاب ناطقة باسم جمعية العلماء، وقد نجح ابن باديس في جعل الشهاب تتبنى الفن الصحفي والإعلامي بالغة العربية في وقت لم تكن تعرف فيه الجزائر سوى جريدة (النجاح) التي لم تستطع الصمود كجريدة مستقلة فتحوّلت إلى جريدة للموظفين الرسميين، في وضع شبيه بجريدة (المبشر) التي اختفت حوالي سنة 1927 م.

وإذا كان يظهر أن الشهاب قد اتخذت شكل مجلة المنار وأفكارها الإصلاحية، فإنها في الواقع كانت مجلة جزائرية صميمة في موضوعاتها وتبويبها وأسلوبها الكتابي ولهجتها ولا شك أنها كانت تشكو من قلة الكتاب باللغة العربية في الموضوعات التي تريد طرقها، إذ كان متعلّمو العربية لا يخرجون عن طلبة الزوايا المحلية وجامع الزيتونة أو المدارس الحكومية الثلاث، وكانت الكتابة عند هؤلاء هي بالأساس (فن الإنشاء) بالمعنى الذي تطور عندئذ في المؤسسات المذكورة والذي يعني تحرير مقالة بسيطة في وصف الطبيعة أو حدث ديني أو نعي عزيز أو تمجيد زعيم أو مدح شيخ.

وهذه الموضوعات لا تستجيب لمشروع الشهاب الكبير. ولذلك اعتمدت الشهاب على قلم ابن باديس نفسه وعلى قليل من خريجي المشرق مثل الإبراهيمي والحافظي والعقبي، وعلى قلم أحمد توفيق المدني الذي جمع بين ثقافة الزيتونة والخلدونية، وأمثالهم.

ولذلك أيضا لجأت الشهاب إلى النقل عن الصحف والمجلات العربية، ولو كانت تصدر في المهاجر الأمريكية، بالإضافة إلى اعتمادها على كتب التراث في القضايا الدينية والأخلاقية والتربوية.وبهذه الطريقة مثلت الشهاب مدرسة متكاملة من عدّة نواح. فلغتها وأسلوبها وخطابها كانت تعبر عن مستوى ما وصلت إليه اللغة العربية في وطن خضع للإستعمار الفكري واللغوي والثقافي أكثر من قرن، فكانت اللغة العربية في الشهاب تمثل الكفاح المستمر من أجل البقاء وتمثل التحدي للغة الفرنسية الرسمية التي غزت العقول والألسنة والأقلام، وكانت الشهاب بموضوعاتها وأفكارها واتجاهها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير