تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تتحدّى الثقافة التي أشاعتها الطرق الصوفية المتجذرة عبر القرون وهي ثقافة المسكنة والخرافة والتواكل واليأس من الإصلاح والتطور. أما خطاب الشهاب فكان تصديا لمخططات الإدارة الإستعمارية العاملة على طمس المعالم الحضارية والهوية الوطنية للشعب الجزائري، ولحملة الإذلال والإهانة للإنسان الجزائري، وهكذا وقفت الشهاب موقفين أساسيين موقف الدفاع عن هوية الجزائر والحضارة الإسلامية واللغة العربية، وموقف الهجوم ضد مشاريع الإندماج في فرنسا وإذلال الجزائريين.

وبدون فهم مشروع الشهاب (الذي هو مشروع ابن باديس) لا يمكننا فهم بعض الأقوال التي صدرت عن ابن باديس مثل (إنني أعاهدكم على أنني سأقضي بياضي على العربية والإسلام كما قضيت سوادي عليهما، وإنها لواجبات ... وهذا عهدي لكم)، ومثل (كيف صارت الجزائر عربية)، ومثل (إن الجزائر ليست فرنسا ولا يمكن أن تصير فرنسا حتى ولو أرادت .. ).

وكانت فتوى ابن باديس ضد التجنس بالجنسية الفرنسية أقصى ما وصل إليه التحدي ضد مشاريع الإدارة الإستعمارية إذ كان التجنس يهدف إلى إلغاء إسلام وعروبة الجزائريين وتغييب هويتهم. وهي الفتوى التي وضعت حدّا فاصلا بين حضارتين إحداهما مغزوة تلعق جراحها وتحاول النهوض من كبوتها والأخرى غازية تريد أن تبتلع الجريح وتصيّره منسيا.

إن البعض قد يدرس الشهاب على أنّها مدرسة في السياسة الجزائرية في مواجهة السياسة الفرنسية الإستعمارية، وقد يدرسها البعض على أنها مدرسة في الإصلاح الديني والأخلاقي والإجتماعي على الطريقة السلفية التي تحمل شعار (لا يصلح آخر هذه الأمّة إلاّ بما صلح به أوّلها). ولكن الشهاب في نظرنا يمكن أن تدرس أيضا على أنّها مدرسة أدبية، ففي الوقت الذي حوصرت فيه العربية في مجالات عقود الزواج والطلاق وكتابة الأحجبة والتمائم وبعض المقالات المكتوبة بأساليب المستشرقين هنا وهناك، ظهرت الشهاب لتكون أوّل مجلّة عربية وطنية في الجزائر، وأول صورة للأسلوب العربي المبين، بشعره ونثره، وقد ربطت القارئ الجزائري بالأدب العربي في مشرقه ومهجره، وفي تراثه القديم وأشكاله الجديدة، فلم يعد الجزائري المتطلع للثقافة العربية الحيّة ينتظر ترخيص الإدارة بدخول مجلاّت مثل (الرسالة) و (الثقافة) و (المنار) ونحوها إلى الجزائر، بل أصبح وهو في وطنه يقرأ مجلّة عربية راقية الأسلوب والأفكار، ومعبّرة عن مشروع وطني وحضاري كبير.

إنّ الذي يقدم اليوم مجلّة الشهاب للقرّاء يختلط عليه الأمر فيحتار هل يقدم لهم فعلا المجلّة أو صاحبها عبد الحميد بن باديس، وفي نظرنا أنهما شيء واحد. فالشهاب صورة لفكر وتفكير ابن باديس، وابن باديس هو روح وعمق مجلّة الشهاب، إذ لا يمكن الفصل بين الوالد والولد، بين الذات وجوهرها، ومن ثمّة نرى أنّ إعادة نشر مجلّة الشهاب إنّما يعني إعادة بعث روح ابن باديس في الأجيال القادمة، حتى في الإنتاج الذي لم يكتبه بقلمه، لأنه في الواقع هو الذي اختاره ورضي عنه، وإذا كان ابن باديس عملاقا بين المصلحين في العصر الحديث، فإنّ مجلّة الشهاب عملاقة بالتبعية بين المجلاّت العربية المعاصرة وربما يزيد فضلها على أخواتها أنها ولدت في بيئة معادية للحرف العربي واللسان العربي والإنسان العربي لصلة هذه الثلاثة بالقرآن والإسلام.

جامعة آل البيت (الأردن) 2 صفر 1421 ه 7 مايو 2000 م / منشور في المجلّد الأخير من مجلّة الشهاب، ط، دار الغرب الإسلامي، بيروت

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير