لقد استفاد النبلاء ماديا من دفاعهم عن المورسكيين, حيث لم يتأخر هؤلاء في دفع أي مبلغ مقابل دفاعهم عنهم أمام مختلف السلطات الإسبانية, بل كانوا يمنحونهم أي مبلغ يطلبون (11). فهذا مدير مزرعة دوق سيغوربي, بيدرو ياموس عرض خدماته مقابل مبلغ مالي حتى يعمل كوسيط بين الطائفة المورسكية و أسقف طرطوشة عندما زار هذا الأخير بلدة فال دوخو Vall d’Uxo, و منحه المورسكيون ما طلب .. (12).
من خلال التحالف مع النبلاء كان المورسكيون يبحثون عن رضا رجال الكنيسة و وقف اضطهاد محكمة التفتيش لهم. لقد استنتجوا أن هناك ارتباطا بين السلطتين من خلال استضافة النبلاء لرجال الكنيسة أثناء قيام هؤلاء بزيارة كنسية لمناطق تواجد المورسكيين (13). لقد أخبر أهم زعيمين للجماعة المورسكية بجبال إسبدان و بأوندا Onda, بيدرو أمان و صديقه نجار جميع أبناء دينهم أنهم قد استمالوا رئيس أساقفة طرطوشة (14). هذين الرجلين كانا في قلب التبادلات و التحالفات بين المورسكيين و النبلاء, و قد حازا على كامل ثقة المورسكيين لأنهما يعرفان القراء و الكتابة فاتخذوهم فقهاء لهم و جاء في محضر إدانتهما: ”رجلان يعرفان القراءة و الكتابة و يتخذهم الموروس فقيهين و لهم مكانة كبيرة لدى المورسكيين و كأنهما التركي نفسه”.) 15).
لقد كان تحالف قادة الطائفة المورسكية مع النبلاء, على المدى القصير, تكتيكا جيدا يسمح لهم بتقوية هيبتهم و زيادة التفوق الذي عندهم على حساب أبناء دينهم. لكن على المدى البعيد, سينتهي هذا التحالف بالاعتقال و فتح محضر يتبعه دائما محاكمة في الاتودافي يفقد خلالها هؤلاء الزعماء ممتلكاتهم و أيضا حياتهم. سيتبين في النهاية أن حماية النبلاء المشروطة لم تكن كافية.
أوضح مثال على هذه الوحدة المؤقتة و التي انتهت بكارثة للزعماء المورسكيين, قضية خيرونيمو دوكو Geronimo Duco . لقد أُحرق هذا الرجل إلى جانب 3 آخرين في 18 غشت 1577 بسبب طاعتهم للسيدة النبيلة دونيا خوانا دي باياس Dona Joana de Pallas, فقد أمرتهم هذه السيدة بقتل فرانثيثكو غونزاليث دي غروايال, صديق لعائلتها أبلغ عن ابن أخيها دون لويس لدى محكمة التفتيش. (16).
لقد اعتقد المورسكيون أنهم وجدوا في التحالف مع النبلاء وسيلة فعالة لوقف مراقبة محاكمة التفتيش التي بدأت تمارس عليهم. هذه الحماية أهمت جزءا من النبلاء لكنها لم تكن كافية لوقف تجبر الكنيسة و تجنب الطرد النهائي سنة 1609م.
فهل أحسن المورسكيون اختيار حلفائهم؟ لكن قبل ذلك, هل كانت هناك إمكانية لعقد تحالفات مع أطراف أخرى داخل المجتمع الإسباني بعد أن تبين عجز الدول الإسلامية عن إغاثتهم؟
الهوامش:
(1) عشية طرد سنة 16069 كان عدد المورسكيين في هاتين المنطقتين مرتفعا للغاية مقارنة بعدد السكان الإجمالي: ففي منطقة بلنسية شكلوا 26.10 بالمئة, و 17.37 بالمئة في أراغون.
للمزيد من المعلومات عن التوزيع الجغرافي للمورسكيين هناك بحث للفرنسي هونري لابيري Henri Lapeyre ” جغرافية إسبانيا المورسكية”. ‘’ Géographie de l’Espagne morisque’’
(2) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, leg 549/2
(3) Halperin Donghi ‘’Les morisques du royaume de valence XVI siécle’’ p 167.
(4) Garcia Carcel Ricardo : ‘’Origines de la inquisicion espanola : El tribunal de Valencia 1478-1530. P 96.
(5) ذكر هذا خوان ريغلا في كتابه ‘’ Estudios sobre los moriscos’’ p 73
(6) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, lib 962 f° 548
(7) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, lib 988 f° 399 r° 468 v°
(8) Fournel Guerin : Les morisques aragonais et l’inquisition de saragosse. P 55
(9) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, lib 970 f° 473
(10) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, leg 548/1
(11) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, leg 549/1
(12) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, leg 549/1
(13) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, leg 548/1
(14) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, leg 548/1
(15) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, leg 548/1
(16) الأرشيف التاريخي الوطني AHN, Inq, leg 550/3
- المرجع: ‘’ Quand on brûlait les morisques’’ للباحثة الفرنسية جان فيدال.
كتبه هشام بن محمد زليم المغربي.