تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ارتحل من نجد عائدا الى مصر حيث مات في نفس السنة بالطاعون. ظن عبد الله بن سعود ان حملة محمد علي باشا فورة ما تلبث ان تخبو مثل حملة والي بغداد و والي دمشق او لعله اطمأن الى توكيدات بريطانية بالحماية فنقض العهد و شرع في الاغارة عبر القصيم بالمخالفة للهدنة و ارسل مكاتيب لقبائل غامد و زهران في عسير يحرضهم على نقض عهودهم مع محمد علي و الالتفاف على القوات المصرية فابلغوها لمحمد علي الذي غضب لذلك و اصر على استسلام الدرعية و استأنفت القوات المصرية الزحف على نجد. ارسل عبدالله بن سعود الشيخ صالح بن رشيد الحربي إلى ابراهيم باشا ليفاوضه على الصلح مرة ثانية فوافق الباشا على الصلح بخمسة شروط هي: أن يدفع له ابن سعود نفقات الحملة كاملة، وأن يدفع له المتأخر من رواتب الجنود، وأن يعطيه ألفي حصان وثلاثة آلاف جمل، وأن يعطيه مؤنة كاملة للجيش لمدة ستة شهور قادمة، وأن يقدم له اثنين من أولاده رهينة لديه فرد عليه الشيخ صالح بقوله: "ما هذا؟ إنك تفاوض سلطان نجد ولا تخاطب فلاحا مصريا"، فاسرها الباشا في نفسه. لم يتطلب الامر اكثر من فتى من فتيان محمد علي باشا على راس فرقة صغيرة من فرق الجيش المصري قوامها سبعة آلاف فارس للقضاء على سلطنة نجد الاعرابية الوهمية العظمى. ظلت الدرعية ممتنعة لبضعة اشهر و المدد ياتيها من الاحساء و الخليج حيث البحرية البريطانية الى ان احكم عليها الحصار فاستسلم الاعراب. فلما دخل ابراهيم باشا الدرعية أمر بالقبض على بعض الزعماء والعلماء ونكل بهم تنكيلا شنيعا فمنهم من طرحوا مقيدين تحت سنابك الخيل ومنهم من وضعوا مكبلين عند فوهة المدفع فقطعهم إرباً و طير أوصالهم في الهواء و من اولئك الشيخ صالح الحربي رسول "امبراطور نجد"، و كان بعض اهل الدرعية يشيرون الى آل سعود و آل الشيخ من بين الاسرى و يعينونهم لضباط ابراهيم باشا و يتهمونهم بانهم سبب البلاء. كان "سلطان نجد" المذكور ضعيفا لدرجة ان اباه في ذروة قوة الدولة السعودية لم يستطع غزو قرية الكويت الصحراوية التي لم يبلغ سكانها الثلاثين الف نسمة و لا جزيرة البحرين القزمة، و ارتدت قواته خائبة امام قرية راس الخيمة كما عجزت لاحقا عن فتح جدة بعد غزو الحجاز و لم يعرف عنه من الانتصارات "السلطانية" الا الاغارة لبضعة ساعات على المزارات الرافضية في كربلاء التي لم يكن يحرسها الا مقاتلو عشائر الاعراب الروافض المسلحين باسلحة بدائية و سيوف و رماح، و الانتصار في بعض الوقائع التافهة الشبيهة بمباريات كرة القدم المباعة سلفا حيث يلتقي المقاتلون على الطريقة الاعرابية و يتصايحون و يعلو الغبار و ما ان يقتل بضعة افراد منهم حتى يولون الادبار. و يحلل ضابط مدفعية فرنسي عمل مع والي بغداد ابان الغارات السعودية الاولى على بوادي العراق اسلوب اعراب نجد القتالي بقوله:" هم لا يحافظون على اي نظام في القتال و لا يباشرونه الا اذا وجدوا ان العدو مستضعف لدرجة لا تترك لديه ارادة المقاومة .... و اقل مقاومة تحبط عزائمهم فيبتعدون سريعا عن اعدائهم ثم يعودون فيلحقون بها مع البقاء خارج متناول اسلحتهم ... يهربون عندما يتوجه العدو نحوهم ثم يعودون لاقتفاء اثره حالما استدار لمتابعة طريقه ... و هذه الطريقة في القتال كانت طريقة البدو على مر الزمان و ليس الوهابيون اليوم سوى هؤلاء البدو انفسهم و قد جمعوا قواهم تحت لواء رئيس واحد بدلا من تجزئتها بين الف قبيلة مستقلة." و على نفس المنوال يصف الرحالة البريطاني بيرتون معركة اعرابية وقعت اثناء زيارته للمدينة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بعد تلك الاحداث بقليل بقوله:" كان القلق العام يزداد بسبب عدم استقرار الأوضاع في المناطق المحيطة بالمدينة، لقد شبت حرب هائلة مابين قبيلتي الحوازم والأحامدة، ويقدر عدد الأحامدة مابين 3 - 4 آلاف مقاتل، والحوازم 700 مقاتل وهم انتحاريون يقاتلون قتال المتهور اليائس. ولقد انقضوا على جناحي عدوّهم المتفوّق عدداً تحت قيادة شيخيهما الدمويين عباس وأبي علي. وسبب الحرب يعود إلى خلاف بين رجلين أحدهما حازمي والآخر أحمدي. استمرت الحرب لبضعة أيام، وكان صوت إطلاق النار يُدَوِّي في الجبال ويُسمع بوضوح في المدينة، لقد رأيت البدو في المدينة مُهتاجين هياجاً شديداً، كل واحد يحمل سلاحه ويريد أن يشترك في هذه المعركة، توقّف القتال بعدما فقد الجانبان عشرة رجال! " كانت القبائل الاعرابية النجدية لا تعرف من القتال الا "الهوشات" و "العرضات" و ما اعتادته من الاغارة على قوافل الحجيج العزل على طريقة الهنود الحمر مع فارق الشجاعة بين الهنود الحمر الذين ارهقوا الجيوش البريطانية و الاميركية لمائتي عام و قطاع الطرق النجديين الذين فر جيشهم من امام نفر قليل من حراس الوكالة البريطانية بالكويت و عدد مشابه بالبحرين. يمكن ادراك تفاهة تلك المواجهات الاعرابية التي تنتهي بمقتل عشرة رجال اذا علم انه بعد ثماني سنوات من الحوادث التي وصفها بيرتون تواجهت اجناد دولة ناشئة تدعى الولايات المتحدة الاميركية في حرب اهلية استمرت ثلاث سنوات قتل فيها اكثر من خمسمائة الف من الطرفين و بلغ معدل القتلى في بعض الليالي ما يقرب من عشرين الف قتيل. "تجلية الراية" ص 28 - 34

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير