تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[معاهدة تسليم غرناطة]

ـ[هشام زليم]ــــــــ[01 - 05 - 10, 11:42 م]ـ

معاهدة تسليم غرناطة.

كتبه هشام زليم المغربي.

يوم الحادي و العشرون من محرم 897 هجرية (موافق ل25 نونبر 1491م) وقعت معاهدة دولية بين ملك غرناطة محمد أبي عبد الله, من جهة, و فرناندو و إيزابيلا ملكي قشتالة, أراغون, ليون و صقلية…من جهة أخرى. بموجب هذه المعاهدة التزم الملك المسلم بتسليم مملكة غرناطة للملكين النصرانيين مقابل شروط عليهما احترامها و السهر على تطبيقها. هذه المعاهدة إذن ليست تسليما لا مشروطا لغرناطة, و يجب اعتبارها اليوم كأي اتفاقية سياسية ثنائية بين دولتين, بموجبها تخلى الطرف الأول الممثل في الأسرة النصرية الحاكمة عن السيادة في مملكة غرناطة, التي أسسها قبل ذلك ب5 قرون زاوي ابن زيري بن مناد الصنهاجي, لصالح الطرف الآخر الممثل في ملكي قشتالة و أراغون اللذان تعهدا بدينهما و شرفهما بالالتزام بسلسلة من الشروط و الواجبات, منها حفظ الحق في الحياة و عدم المساس بوحدة الأمة و حرية التدين و العبادة و حفظ الخصوصيات الدينية و الثقافية لشعب غرناطة و ترك المللكيات و النظام التقليدي الإداري و القضائي كما كان عليه الحال أيام الحكم النصري.

سنوات قليلة جدا بعد تسليم غرناطة و الحمراء –بل دقائق قليلة إذا اعتبرنا رفع الكاردينال مندوثة الصليب فوق برج الحراسة انتهاكا للمعاهدة- بدأ الانتهاك الممنهج لبنود معاهدة التسليم من طرف الدولة الحديثة العهد ”إسبانيا”, ليغادر أبو عبد الله المملكة عابرا إلى العدوة المغربية و معه الآلاف من سكان المملكة. غرناطيون آخرون اختاروا البقاء و حاولوا الرد على نكث النصارى لعهودهم برد ما تم تسليمه و إعادة تشكيل مملكة غرناطة المسلمة. لكن غدر إسبانيا, ”القوية” آنذاك, قضى على أولئك المسلمين الضعفاء, المتروكين إلى مصيرهم, في معركة غير متكافئة سميت زورا و كذبا حربا؛ كيف تكون حربا و لم يكن في المعركة سوى جيش واحد أمام شعب غرناطي أعزل ثار في البشرات, رندة, وادي آش و مالقة…ضد الظلم و القهر. لقد ارتكبت جيوش الدولة الإسبانية الوليدة إبادة جماعية و تطهيرا عرقيا و جرائم أخرى في حق البشرية لن تنساها الذاكرة الإنسانية أبدا مهما قدمت اليوم الاعتذارات و وزعت الجنسيات لإسكات صوت الحق.

نجحت إسبانيا إلى حين في إسكات الأصوات المطالبة بتنفيذ بنود معاهدة تسليم غرناطة و شرعت في تغيير عقيدة و ذاكرة المسلمين الذين بقوا في شبه الجزيرة الأيبيرية, و اخترعت تاريخا مجيدا و مصطنعا للمستوطنين القادمين من الممالك النصرانية الشمالية و هم خليط من كل جنس. و اليوم و قد دار الزمان على الجميع, ها نحن نرى نتيجة ”غسيل الدماغ ” الذي انتهجته إسبانيا ضد القشتاليين أنفسهم و الغرناطيين الأندلسيين, فبدل إحياء ذكرى ”تسليم” المملكة يوم الخامس و العشرين من نونبر 1491م, تقرر الاحتفال بذكرى "أخذ" غرناطة يوم 2 يناير 1492م, الذي هو يوم دخول الملكين الكاثوليكيين إلى غرناطة رسميا, متناسين أن أخذ المدينة جاء نتيجة توافق تم في التاريخ الأول و أن الطرف الإسباني انتهك جميع شروط هذا التوافق.

هذا مثال بسيط على تحريف معاهدة تسليم غرناطة و إفراغها من مضمونها و الالتفاف عليها بل و تجاهلها بصورة وقحة. فهل الأسبان أغبياء إلى الحد الذي لا يستطيعون التفريق بين الدخول بصورة مجيدة –كما تحاول تصويره الرواية التاريخية الرسمية - و الدخول عبر الغدر و الخيانة و نكث العهود؟ لقد كان الانتهاك مدبرا و الأسبان اليوم –أقصد بالأسبان كل مستوطن يعيش فوق أرض الأندلس و يعتبرها أرضه و أرض أجداده و لاحق للمسلمين فيها- يتغابون و يصمون آذانهم عن سماع الحقيقة المرة التي لا بد و أن تنتفض و يسمعها كل العالم.

أندلسيو اليوم –على الأقل الذين بقوا في الأندلس بأسماء نصرانية مستعارة -لا يطلبون من أسبانيا الاعتذار بالقدر الذي يطالبون فيه بتفعيل بنود معاهدة تسليم غرناطة التي وقعها أقدس شخصيتين في إسبانيا فرناندو و إيزابيلا الكاثوليكيين. فهل إسبانيا مستعدة لتنفيذ هذا المطلب؟ هل تمتلك الشجاعة الكافية؟ الأيام و حدها كفيلة بالإجابة عن هذه الأسئلة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير