تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[علم التاريخ وأهميته للفقيه]

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[19 - 06 - 10, 10:31 م]ـ

علم التاريخ وأهميته للفقيه وطالب العلم

أفدنا بتعليقك هنا ( http://www.alukah.net/Social/0/22133/):

( التاريخ) من الكلمات التي تشيع عند العامة والخاصة على السواء، ولعل كثيرًا منا يفهمها فهمًا يختلف عن الآخرين، وكذلك فلعل المعنى المفهوم من هذه الكلمة يختلف باختلاف ثقافات الناس، فالمفهوم من هذه الكلمة عند العرب قد يختلف عن مفهومها عند الأعاجم، والمفهوم منها عند المعاصرين قد يختلف عن مفهومها عند القدماء.

ولعل الكثير منا -إن لم يكن كلنا- لا يجادل في أهمية التاريخ وفائدته العظمى للباحثين ولطلبة العلماء وللعلماء، وأيضًا للعامة أو المثقفين منهم.

ولذلك تجد في كلام أهل العلم كثيرًا من المدائح المنظومة والمنثورة للتاريخ علمًا وفنًّا؛ قال ابن سينا في كتاب السياسة:

((إن أنفع الأمور التي يسلكها المرءُ في استجلاب علم السياسة وغيره من العلوم أن يتأمل أحوال الناس وأعمالهم ومتصرفاتهم؛ ما شهدها وما غاب عنها مما سمعه وتناهى إليه منها، وأن يمعن النظر فيها، ويميز بين محاسنها ومساوئها، وبين النافع والضار لهم منها، ثم ليجتهد في التمسك بمحاسنها؛ لينال من منافعها مثل ما نالوا، وفي التحرز والاجتناب من مساوئها؛ ليأمن من مضارها ويسلم من غوائلها مثل ما سلموا)).

والتاريخ -بأي معنى من معانيه- مرتبط بالزمن، فالمقصود من التاريخ في جميع معانيه بيانُ شيء متعلق بالماضي، وكلمة الماضي هنا معناها كل ما سبق اللحظة الحالية.

فإذا كنت تتكلم عن راو من رواة الحديث؛ من حيث ذكر أخباره أو رواياته أو شيوخه أو تلاميذه أو بيان جرحه وتعديله، فهذا ينتمي للتاريخ، وهذا هو المعنى الخاص عند كثير من المحدثين، ولذلك يعبرون عن الكلام في الرواة بـ (التاريخ)؛ كالتاريخ الكبير للبخاري، وكتب تواريخ البلدان المعروفة.

وقد يكون الكلام عن أمة من الأمم، فيكون معنى التاريخ هنا أعم من المعنى السابق، مثلما تجد التأريخ للرومان والهند والبربر، وكذلك التاريخ لدول الإسلام المعروفة.

وقد يكون الكلام عن حقبة من الحقب وزمن معين، فيكون معنى التاريخ هنا أعمَّ من المعنى السابق من وجه وأخصَّ من وجه، فهو أخص من حيث إنه يحدد زمنًا معينًا، وأعم من حيث إنه لا يخص أمة دون أمة، وهذا تجده فيما يذكرون من كتب تاريخ القرون الوسطى، أو تاريخ العصور القديمة، أو نحو ذلك.

والنوعان السابقان يحتملان نوعين من التأريخ، وهما التأريخ العام والتأريخ الخاص.

فالتأريخ الخاص بذكر أخبار خاصة عن هذه الدول أو هذه الحقب، كذكر من تولى الإمارة أو الخلافة أو الملك، وذكر من جيّش الجيوش، وأخبار الحرب والسلم وغير ذلك من الأخبار الخاصة المنقولة نقلا ليس للرأي ولا للفكر فيه مدخل.

والتأريخ العام بأن يستقري المؤرخُ أخبارَ هذه الدول أو العصور ويستخرج منها المعاني العامة والقواعد الكلية التي تعطي للقارئ صورةً إجمالية عن هذه العصور، كأن يقول مثلا: (انتشرت المكتبات ودور العلم، وكثرت المدارس، وتفرغ كثيرون للتدريس، وشاع السلم، وانصرف الناس عن التفكير في الحرب)، فهذا الكلام ليس نقلا عن شيء بعينه، ولكنه بيان للأحوال العامة بناء على الاستقراء.

ويتبع هذا النوعَ نوعٌ آخر أعم منه، وهو استقراء السنن الربانية والنواميس الكونية في أحداث التاريخ:

كأن يقول المؤرخ مثلا: (متى انتشر الفساد في بلد فلا بد أن يزول).

أو أن يقول: (إذا انصرف الحاكم عن مراعاة مصلحة الرعية فلا بد أن يخلع).

أو أن يقول: (استقرار الأمان بداخل الدولة لا يمكن أن يتم بغير جيش قوي).

فكل هذه القواعد لا تعبر عن أحداث معينة في التاريخ، ولا تعبر أيضا عن تشابه لحادثة متكررة، وإنما هو تعميم مجرد يستنبطه المؤرخ من استقراء الحوادث في أزمنة مختلفة وفي دول مختلفة، فإذا وجد الأمر مستمرًّا لا يتخلف أطلق ذلك.

وهذا الاستقراء لا يستطيعه آحادُ الناس، وكذلك لا يستطيعه الخاصة إلا بعد زمن طويل من النظر والتأمل والاطلاع والبحث والتفتيش والتتبع لحوادث الخاصة والعامة في مختلف الدول، ومستمر النوازل والحقب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير