تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما بالنسبة للأمر الأول فقد كان علم النسب عندالعرب من أسس تاريخهم القديم, إذا كانت الغاية منه تسجيل مآثرهم، وبيان ما لهم من مناقب ومفاخر، بذكر الْمُبَرِّزِين في كل قبيلة بخصلةٍ من خصال المجد والشرف، كالشجاعة والكرم، وحماية الجار، وغير ذلك من الأمور المحبوبة. ومن هنا ينظر إلى هذا العلم بصفته متمماً ومكملاً لتاريخ الأمة العربية. ثم بالنسبة للنظر إليه لموقعة من التراث العربي, فلا تجد أحداً ممن عني بالدراسات التاريخية إِلاَّ وهو يُدرك ماله من قيمةٍ تستلزم الاهتمام به لارتباطه بكثير من العلوم الإسلامية. ويتضح الأمر الثالث بمعرفة كثرة المهتمين في التأليف فيه، من سلف هذه الأمة ومشاهيرهم، بحيث لم يقتصر ذلك على فئة خاصة من العرب الصريحي النسب، بل شاركهم في ذالك علماء أَجِلاَّء، لهم مكانتهم بين علماءالمسلمين ديانةً وعلماً وخلقاً، وحسبك بأمثال أبي عُبَيْدٍ القاسم بن سلام (224/ 338هـ) مؤلف كتاب «النسب» وبأبي محمد علي بن حزم الأندلسي (384/ 456هـ) وغيرهما من أجلة العلماء ممن لا يتسع المجال لسرد أسمائهم.

ولقد أوضحَ الإِمام ابن حزم في مقدمة كتابه «جمهرة أنساب العرب» ما فهمه من مدلول الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِل لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) , فقال: (وإِن كان اللَّه قد حكم بأن الأكرم هو الأتقى، ولو أنه ابنُ زِنْجِيَّةٍ لِغَيَّةٍ، وأن العاصي والكافر محطوط الدرجة، ولو أنه ابن نبيين، فقد جعل لتعارف الناس بأنسابهم غَرَضاً له في خلقه إِيَّانا شعوباً وقبائل، فوجب بذلك أن علم النسب علم جليل رفيع). وإِذَنْ فالتأليف في علم النسب متى كان مقصوداً به الاهتمام بتاريخ الأمة من جميع نواحيه فهو من الأمور المحمودة. ويأتي الأمر الرابع: وهو ما أوضحه الصديق بقوله: هناك طبقة في المجتمع لا يهتمون بأنسابهم، اهتماماً يحملهم على العناية بها، فهم في هذا كغيرهم من مختلف الشعوب في جميع الأمم يرون عدم أهمية ذلك، وليست هذه الطبقة مجهولة الانتساب إلى الأمة العربية دَماً ووطَناً ولغةً واتفاقاً في الغايات والمقاصد، ولا مغموطة الحق في أداء ما عليها من واجبات دينية، أو خُلقِيَّة أو وطنية، وقد يحدث بين أحد أفراد هؤلاء وبين غيره ممن له عناية بالأنساب مما ينشأَ عنه من التنافر ما يوغر الصدور، وقد يكون ذلك من أثر ما لهذه المؤلفات التي انتشرت هذه الأيام، مع اهتمام بعض الصحف بنشر ما يتعلق من ذلك.

من هنا اتضح لي ضرورة إِزالة ما علق في ذهن هذا الصديق الكريم أو غيره من القراء حول اتجاهي في الآوِنة الأخيرة للاهتمام بهذا الموضوع، وذلك بإيضاح جوانب حياله:

الأول: أنني نظرت إلى علم الأنساب نظرةً عامَّةً فرأيت قوة ارتباطه بتراث الأمة، ومن هنا كانت نظرتي مجردة من كل غاية لا تهدف لخدمة التراث، وكنت أدرك أن من بين ذلك التراث ما ليس جديراً بالاهتمام به في هذه الأزمنة لعدم الحاجة إليه، بخلاف هذا العلم الذي يحتاج إِليه كل باحث في أي علم من العلوم, من تفسير، وحديث, وفقه، وتاريخ، وأَدب، ولغة.

الثاني: أنني أدركت أن بعض من تصدَّى للتأليف فيه وقعت منه أخطاء لا يصح التغاضي عنها ممن أدركها، بل بلغ الأمر إلى أن كثيراً ممن تصدى لذلك ليس أهلاً له، فرأيت أنني قد أُقَدِّمُ لمن لا يزال متعلقاً به ما يصح الاعتماد عليه، فكان أن أَلفت كتابين أحدهما: «معجم قبائل المملكة العربية السعودية» حاوياً جُلَّ ما هو متعارف عن أنساب القبائل التي لم تتحضر بَعْدُ، من أبناء البادية, والثاني: «جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد». وأنا في الكتابين لست سوى ناقل لما هو متداول ومعروف، مِمَّا لا يُؤَثِّرُ في إضعاف روابط المجتمع، بل يزيدها تماسكاً.

الثالث: أنني حاولت في الكتابين وفي غيرهما مما كنت أنشره في «العرب» وغيرها من أبحاث في الموضوع أن أزيل كثيراً من الأوهام التي أُلْصِقَتْ ببعض القبائل، مع التعمق في دراسة أنسابها حتى تمكنت من إثباتها على الوجه المرضيَّ، مما دفع بعضهم إلى النيل مني في مؤلفات مطبوعة، بل لقد كان من أثر ذلك أن بعضهم غضب علي حين كتبت بحثاً يتعلق بالأنساب مما لا داعي لذكرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير