تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فعلى الرغم من أن الأئمة الأربعة قالوا بها إلا أن الوالد رحمه الله رغم أنه فوجئ بالقول المعارض، وهو أمر عظيم لمن كان يعتقد أن التمذْهب بمذهبٍ من المذاهب الأربعة أمر واجب، وأن ندين به أمر لازم، إلا أنه لم يستطعْ من خلال نظره للأدلة الصحيحة التي كان الألباني يسردها، أن يردّ قوله، إضافةً إلى أنّ المنطق السليم يفترض عدم ردها ....

ولكنه بذات الوقت صعب عليه أن يسلّم من أول الأمر فاستمهل الشيخ الألباني للزيارة التالية حتى يجمع له من جعبته ما يَجْبه قوله، ولكنّه بالنهاية استسلم استسلام العاقل للدليل والبرهان.

وهذا هو الفرق بينه وبين بقية المشايخ، حيث أنهم كانوا لا يحسبون للبرهان والدليل حساباً، بمقابل قول إمام مذهبهم أو حتى علمائه المتأخرين، فكانوا لا يستحون من ردّ الآية، أو الحديث، بكلمة قال فلان وقال علان ......... ، وكانوا يشيرون للعوام بقولهم: إنَّ هذا الشيخ يخالف الأئمة الأعلام ويغيِّر الدّين، ولكن والدي لم يكنْ ليأبه بهم، أو يهتمّ بأمرهم، مادام مقتنعاً بأنّه على صواب، متمثلاً قول الإمام ابن حزم الأندلسي رحمه الله في مدح أئمة المذاهب الأربعة رضي الله عنهم بقوله:

عَلامَ؟ جَعلتُمْ أيُّها النَّاسُ دينَنا *****

لأربعةٍ لا شَكَّ في فَضْلِهم عِندي

هُمُ عُلماءُ الدِّين شَرْقاً ومغرِباً *****

ونورُ عُيون الفَضْل والحَقِّ والزُّهدِ

ولكنَّهم كالنَّاس ليْس كَلامُهُـ ـم *****

دليلاً ولا تقليدُهمْ في غَدٍ يُجْدي

ولا زَعمُوا حاشَاهُمُ أنَّ قَوْلَهُم *****

دَليلٌ فَيسْتَهدي بِه كُلُّ مَنْ يَهدي

بَلَى صَرَّحوا أَنَّا نُقابِلُ قَولَهُم *****

إِذا خالفَ المَنصوصَ بالقَدْحِ والرَّدِّ

من المواقف الجريئة:

كافأت وزارة التربية مدرستة " مدرسة الفتح الأهلية الخاصة " بمعلمٍ من التعليم الرسمي يُندبُ إليها، ويتقاضى مُرتبه من الدولة، وقد صدر القرار الوزاري بذلك، ولكنه حيلَ بينه وبين التنفيذ، من قبل المتنفِّذين في مديرية التربية المعروفة بدار المعارف آنذاك، بدافعٍ من الانتقام، وتنفيذاً لرغباتِ بعضِ الأهواءِ من الحكّام، فسافر والدي إلى مكتب الوزيرِ في دمشق ليستقصيَ الأمر، ويُطالب بتنفيذ مضمون القرار.

ولما دخل مكتب مدير الوزير، وكان عنده عددٌ من الحضور، فسلَّم ومدّ يده بادئاً بمصافحة منْ على يمينه، انتبهَ إلى أنَّ بين الحضورِ سيّدة، وكان الجميع قد قاموا لمصافحته فكان لا بد من مصافحتهم.

..... ولكنه سيمر على السيدة، فإمّا أن يُصافحها ويكسبَ رضا مدير مكتب الوزير، الذي بيده قضاء أمر معاملته التي جاء من أجلها، وإما أن لا يُصافحها منتصراً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مُرضياً ربَّه، فستخجلُ حينئذٍ وسيضطرب القوم، وسيكون المديرُ في مَوقف مُحرجٍ تجاه ضيفته، فسيضيق عندئذٍ ذرعاً بهذاً الزائر، وسيكون غيرَ مُرحّبٍ ولا مَرْغوبٍ فيه، وعلى الحاجة التي جاء لأجلها السلام .........

كلُّ ذلك دار في خَلَدِه وفِكره، في تلك اللحظات إلى أنْ وصل إلى السّيدة التي مدَّت يدها للسّلام عليه، فما كان منه إلا أن حَيّاها واضعاً يده على صدره مُعتذراً عن المُصافحة ومتابعاً مصافحةَ بقيةِ القَوم. . .

ثم جلس على مقربةٍ من مكتب المدير، وهو يُلاحظ وجوهَ القوم وتعبيراتهم، ووجْهَ المدير الذي يَكاد يقطرُ الدمُ منه حُنقاً وضيقاً، والذي بادره بنبرة شديدةٍ، ولهجةٍ قاسيةٍ: نعم، ما حاجتك؟ ..... هنا التفت إليه قائلاً: هيه هيه. . . على رسلك أيها الفاضل، إلى أن نُطفئ النار التي اشتعلت! وبعدها أُعلمك حاجتي .... ، ثم بدأ حديثه بوصف ما حَدث، من عدم مقابلة السيّدة بمدِّ يده لمصافحتها، مما جعلها في حرجٍ تعدى إلى القوم وصاحب الغرفة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير