تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثمَّ تحدَّث عن المرأة، كيف كانت تُعامل في الجاهلية، وماذا كان وزنها وقيمتها، وكيف أعاد لها الإسلام كرامتها وقيمتها، حتى أنه منع من مصافحتها حرصا ً على كرامتها، من أن تمتد إليها أيدي السُّفهاء بالعبثِ واللهوِ بحجة المصافحة والتحية والسلام والاحترامْ، وامتنعت يدُ أطهر البشر، ومَنْ لا يُمكن أن يَجرحَ أحدٌ بمدى طهارته، عن مصافحة المرأة، سداً للباب الذي يمكن أن يدخل منه السُّفهاء، للنيل من كرامة المرأة، فلقد بايع الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال، فشدَّ على أيديهم مُصافحاً، ولما بايع النساء قال:

" أنا لا أصافح النساء، إنما قولي لواحدة كقولي لمائة " وذلك إشعاراً منه بقيمة المرأة وأنها تتولى الواحدة منهن التحَدّثَ باسمهن جميعاً.

وقال عليه السلام: (لأنْ يُطعن أحدكم في رأسه بمخيطٍ من حديد، خيرٌ له من أن يمسَّ امرأة لا تحل له).

وبذلك كانت المرأة في الإسلام محفوظة الجانب، مصونةَ الكرامة، ولذلك فيا أختي (ووجَّه حديثه إلى السيّدة) من هذا المنطلق فأنا قد امتنعتُ عن مصافحتك فلا تؤاخذينني. .

هنا وقفت السيدةُ يعلو وجهها الابتسام، وقد تَملكها الإعجاب والسرور بالحديث - وهنا يلزم أن يُسجَّل هذا الموقف للسيّدات اللواتي فرحْنَ في قبول هذا الحكم - قائلة: (يسلم تُمّك يا أستاذ، يسلم تمّك يا أستاذ ... ) وبلهجةٍ فيها الحرقة على ما تُكابده، كما شعر بذلك كلّ من كان في المجلس، وتحسسَ مكابدةَ الفتيات اللاتي يتعرضن للفسّاق، من جرّاء المُصافحة من مهانة، حين يَعبثون بأيديهنَّ باسم المصافحة، وهن لا يَملكنَ أن يَقلنَ شيئاً يُحَقّرن فيه ذلك العابث، لأن معه السِّلاح الذي يُدافع فيه (وأنّه يحترمُ تلك السيدة فيصافحها، ولكنها غير أهل لذلك الاحترام، إذ تُقابله بتلك الصفاقةِ وذلك الموقف اللا مؤدب. . .).

عندما انتهى الحديث، إلى ذلك الموقف الجميل من السّيدة وثنائها على محدّثها، انفرجت أسارير القوم ومُضيفهمْ وانبسطَ في وجه والدي وظهرَ عليه السُّرور، وعندها قال له والدي أمّا الآن وقد أُطفئت النار التي اشتعلت، فقل لي الآن " ماذا تُريد " ..... فضحك الرجل، وسأله حاجتة فذكرها، فاستغرب عدم التنفيذ، واتصل بمنْ بيده الأمر واستفصلَ عن سبب التأخير، وكان شديدَ اللهجة معه حيث وبَّخه وأمره أن يُسارع بالتنفيذ فوراً، ثم ألتفتَ إلى والدي قائلاً: اذهب إلى مدرستك وسيكون ماأردت من يوم غَد، وخرج معه مودعاً إلى الباب.

وهكذا فإن موقفَه الجريءَ هذا في إعلان ماعَرف أنَّه حق، ارضاءً لله عز وجل، بعيداً عن الملق والمدارة وإرضاء الناس، جعل الله يُهيئ له من يُدافع عنه ويعاونه على مطلبه، وفوق ذلك جعل الهيبة والإجلال والتقدير والإكبار في نفوس من هابهم أول الأمر، ولكنّ هيبتهم زالت من نفسه عندما ذكر هيبةَ الله الأكبر، فالله أكبر، وما سواه لا يستحق أن يكون في مقابلة الله الأكبر. .

مواقف مشرِّفة

في خلال الحرب العالمية الثانية وقبل أن يحتل الألمان فرنسا ويُخرِّبوا خط ماجينو الذي تعبت به فرنسا واعتزّت به وتاهت به عُجباً وغروراً، قامت فرنسا بمصادرة السيارات في سوريا لمصلحتها الحربية، وكان عندنا في إدلب، مستشار فرنسي أحمق يدعى " هبرار " واقتضتِ مصلحة أهل إدلب أن يُضربوا، فأصبحنا يوماً وإذا بالحوانيت على اختلاف عملها كلها مغلقة، فاستدعى المستشار والدي لدائرته وكان من عادته أن يستقبل من يبغي محاسبته واقفاً ليقف معه الشخص المستدعى، احتقاراً له، فاستقبله قائماً في وسط الغرفة، وبعد أن صافحه جلس والدي بدون إذن على الأريكة المحاذية لمنضدته، فغضب وانفتل على كرسيه فقعدْ، وقال متسائلاً من الذي عمل الإضراب، فأجابه والدي لا أدري، فقال: لقد علِمنا بأنك أنت أوحيت للناس أن يُضربوا، فهاجمه بغضب قائلاً:

معلوماتك خاطئة، ونحن علماء المسلمين لا نَكْذب، فقال: أتدري لماذا أشخصتك عندي؟ فأجابه، لا يعلم الغيب إلا الله، قال: جئتُ بك لأعَرفك أن فرنسا قوية، وأنتم ضعفاء، فرنسا مثل جرّة الحديد، وأنتم مثل جرة الفخار، وإذا التطمت الجرتان تنكسر جرة الفخار وتبقى جرة الحديد سالمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير