تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأجابه والدي بابتسامةٍ ساخرة: هذا منطقٌ ليس فيه عَجَب، ولكن المُهم في الموضوع معرفة المتهجم المعتدي، والاغترار بواقع الحال ليس من شأن العاقل الحكيم، لأن القويَّ ما وُلد قوياً، والضعيف لا يبقى ضعيفاً، ولا يبقى القوي قوياً، ولقد سبق أن كُنا أقوى منكم، حيث وصلت جيوشنا إلى قلب فرنسا في جبال البرينيه، ولكنْ لم نكن معكم، مثلكم الآن معنا، إذْ كان قصدنا إنارة قلوبكم بالإيمان، وعقولكم بالعلم والمعرفة، بينما قصدكم من احتلال بلادنا، تنمية اقتصادكم وامتصاص ثرواتنا، استهدفنا إعزازكم بنشر الحق والفضيلة، وهدفكم إذلالنا وإفقارنا ونشر الوباء في بلادنا، فإنَّ أول مندوب جاء إلى بلادنا حاكماً منكم، هو " ويغاند " قد استجلب عدداً من المومسات الموبوءات بالزهري والسيفلس لينشر الوباء عن طريقهن.

ولما رآى المستشار هبرار أنَّ والدي لا يخاف سطوته، ألقى الله في قلبه الرعب، وحسب لاعتقاله في ذلك الظرف ألف حساب، فبدَّل حديثة، وغيَّر لهجته، وتواضع له، وصرفه وهو يكتمُ الفساد، وهمس في أذن القائمقام رئيس الحكومة المحلية، أن يوجِد سبباً يعتقله به ويزجّه في السجن، ومن المعلوم أن الحكومة المحليَّة لا تُخالف أمر السلطة الفرنسية، فنزل القائمقام إلى السوق، وانهال على شخص يَضربه ويلكُمه، وهو يقول بصوت مرتفع: أما كفاكم ..... تقول للناس بكل وقاحة إنَّ الشيخ نافع يأمركم أن تُضْربوا، وقَصده أن يُسمع الناس أنَّ الشيخ نافع يدعو إلى إغلاق المدينة ليكون ذلك سبباً يبرر به اعتقاله، بينما كان والدي خاليَ الذهن، والشخصُ الذي ضربه واعتقله لا يَعرفه إذا ذاك، وفعلاً بعث برجال الشرطة واعتقل والدي على غرّة، وأشاع في الناس بأنه وجد معه أوراقاً تَدينه بأمر خطير، وأنه يعمل جاهداً لتخفيف وزره، وبقي في المنفردة في سجن إدلب بضعة عشر يوماً، لا يسمح له أن يرى النور، ويوثق الباب بالسلاسل ويوضع فيها عدة إقفال ضخمة ولا يسمح بتكليمه لأحد، حتى جاءه آخر الأمر المدّعي العام من رجال العدلية، وكان محباً ومقدراً للرجال الأحرار فأخذ إفادته، وعلى إثرها أُطلق سراحه، فخرج من السجن وإذا بجمع غفير من الناس كانوا بانتظاره، فسلّموا عليه وهنؤوه بالسلامة وساروا معه إلى بيته.

وفي الطريق تقع دار القائمقام، فلما بلغوها طلب منه بعض المتوهّمين المخدوعين من وجوه البلد، أنْ يدخل الدار ليشكر القائمقام، فانفجر وصاح بصوت عالٍ سمعه القائمقام من بيته لأنه كان واقفاً في باب داره ينتظر مروره، وكان مما قاله: كيف تطلبون مني أن أسلم على الخائن التافه، وهو المُطالَب أن يَعتذر مني ويطلب الصفح عن إساءاته، إنَّ بيته جهنم فكيف أدخله، ولما سمعه القائمقام يتهجم عليه، تجاهل ما سمع وخف مسرعاً إلى الشارع يُسلم على والدي بكل تواضع، ويرجوه أن يشرب عنده فنجان قهوة، فاعتذر وهو في حال من الغضب الشديد، ولكن من كان ممسكاً بذراعه غلبوه على أمره، ومالوا به إلى بيته فامتثل، ثم استأنف السّير إلى بيته، وانتهى فصل الرواية

مواقف مختصرة

1 - كان في إدلب محل عمومي للمومسات فأغلق عن طريقه وبمعاونة الأستاذ الشيخ طاهر منلا الكيالي رحمة الله.

2 - وكان في إدلب خمَّارة (مكان مرخّصة لشرب الخمور) صاحبها مسجل في النفوس مسلماً،

(وكانت القوانين آنذاك لاتسمح للمسلمين بمزاولة هذه المهنة الرخيصة) وقد عجز والدي عن إغلاقها في عهد الحكم النيابي الحر- كما يُزعم – وخذله السكِّيرون من أولى الأمر، والمتزلفون لهم، والخائفون على كراسيهم، والمدارون لمصالحهم الخاصة، وأغراضهم الشخصية، ومن ينتسبون إلى العلم، كل هؤلاء لم يُعنَ منهم أحدٌ للأمر، فسجل والدي اثنى عشر خطاباً متتابعات، وجهها إلى نُوَّاب إدلب مناديب السلطان، مع سبع برقيات شديدة اللهجة، إلى رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء والمجلس النيابي، ولو أراد إغلاقها بالقوة والعنف لفَعلْ، ولكان الأمر عليه سهلاً، ولكنه لا يريد الفوضى، و لا يدعو إليها.

3 - مقاومة المنكرات، كلعب الميسر في المقاهي والبيوت، والأفلام السينمائية الهابطة، والمسارح الخليعة، والمراقص ودور الخنا والفجور، والمجاهرة بترك الصلاة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير