تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا أنسى أنه استحضر مأمور الأوقاف ليلومه على فسح المجال لوالدي بالخطبة لأنه غير موظف آنذاك، وتلعثم المسكين في الجواب حيث أراد أن يقول له: إن مثل الشيخ نافع لا يُنازع في الخطابة، ولكنه لم يستطع.

كما أنه جعل إشخاص والدي إلى بيته بواسطة رئيس المخفر حبيب شاويش، وحضور مأمور الأوقاف الشيخ حسن بركات، لسببٍ واضحٍ بَيِّن، وهو أن ينتقل إلى المستشار خبر توبيخه للشيخ نافع، وما درى المسكين، أنه باء منه بشرّ توبيخ دوّى في البلد بشكل يرفع الرأس عالياً، وفيه عزُّ المسلمين وذل المُبطلين.

وأقسم والدي بالله أنّه بعد هذا المجلس، صار إذا مرَّ به في الطريق، يَنحني ليُسلم عليه، فيصدّ والدي عنه.

بقي أمرٌ لا ينبغي إغفاله وهو أنّه بعد هذا المجلس نشط والدي أكثر، في التوسع في معايب السينما ومفاسدها، وفساد من يرتادها من الأكابر والأصاغر، وذلك في جميع مجالس العامة، وما كان أكثرها وأوفرها حيث لا يمر اجتماع نكاح أو زفاف أو وليمة أو أيّ مناسبة، إلا وبيَّن وفصّل وعلّم.

أما المشايخ الذين ثاروا الخبر الفيلم السينمائي السّفيه، وقرروا توزيع خطبةٍ موحّدة في الجمعة المقبلة لتسفيه السينما، فقد صاموا عن الكلام فيها، كأن ألسنتهم قد خرست أو قُطعت ...... وهكذا يَهدمُ الإسلامُ أهلُه الذين هم من هذا الطِراز.

موقف مع أول محافظ عيّن لإدلب في عهد الوحدة السورية المصرية.

كانت إدلب تُلِح في مُطالبة الحكومة بجعلها محافظة، وفي عهدِ الوحدة أُجيب طلبها وتقرر اعتبارها محافظة، فغمرتها فرحةٌ عظيمةٌ، وقد أعربتْ عن هذه الفرحة بخروج جماهير عظيمة، لاستقبال أول محافظٍ توجّه إليها، وهو السيد عبد الغني جَمَّال، ويظهرُ أنَّ هذا الاستقبال الرائع، الذي لم يسبق له نظير إلا للرئيس جمال عبد الناصر حين مرَّ بإدلب، أدخَلَ على نفسه العُجْبَ والغرور، حيث طَمأنت له إدلب كبرياءه.

أما والدي فقد سلّمَ عليه في اليوم الثاني من قدومه، وكان العقيد " الفتيحّ " من دير الزور، قد قَدِم إدلب قبله ببضعة أيام لاستلام منصبه، وهو قيادة شرطة المحافظة.

فلما دخل والدي للسّلام على المحافظ، كان العقيد " الفتيح " موجوداً في المجلس، ومعه رجلٌ كان قائمقاماً عندنا ويَعرف والدي مَعرفة طيبة، وهو " أمين باشا عليوي " فاستقبل هذا الرجل والدي بحرارة بالغة، والتزمهُ معانقاً بشكل لفَت نظر العقيد والمحافظ، ثم قدَّمهُ إليهما بعباراتٍ أطراه بها جداً.

وبعد انتهاء فترة استقبال المُسَلِّمين عليه حكى أمين باشا العليوي الذي كان برفقة العقيد الفتيّح للمحافظ درجة الصِلة والمحبّة بينه وبين والدي، فاغتنمها والدي فرصة مناسبة ليروي لهما طرفاً من سيرته معه، فقال موجهاً كلامه للعقيد، حيث رأى أنَّ المحافظ قد تشاغل بأوراقٍ كانت على مكتبه:

أظنك يا سيادة العقيد – والكلام الآن للوالد - تستغربُ مِنّا هذه الصِلة، مع تباين المَسلك فهو رجل يتعاطى الخمرة وفي غالب الظنّ أنّه لا يُصلي، وأنا معروفٌ بتعصّبي الديني، فمن أين جاءت هذه المحبّة والصِلة، قال نعم .... !! قلت إليك البيان: رأيتُ فيه الرجلَ المنتصرَ للحقِّ والفضيلة، وهذا كل ما يَهمّني أن يكونَ عليه الحاكم، بصرف النظر عن أحواله الشخصية.

فقد كان أمين باشا عندنا قائمقاماً في عهد الشيشكلي، الذي جعل فيه للقائمقام غير العسكري دورة عسكرية، ليكون الحكم عسكرياً، وذات يوم وكان يوم جمعة زارني بعد العصر رجل نصراني موظف في الكتيبة، حريصٌ على شباب هذه الأمة و أخلاقها، علمت منه أن (جوقةَ تياترو) ترقص في السينما كل ليلة ويرتادها الشباب وأكثرهم من طلاب المدارس والمراهقين ودار السينما تغص بروّادها من هؤلاء، حتى أنّ قِسماً كبيراً منهم يبقى واقفاً على رجليه لضيق الكان الذي غصَّ بهم وامتلاء المقاعد، والراقصات شبه عاريات من الثياب بل يلبسن ثياباً من حبال كالتي توضع على أبواب حوانيت الحلاقين، وتنجابُ هذه الحبال حال الرقص عن مواطن الفتنة من أجسادهن، وأخبرني أنه مضى على هذه الجوقة، خمسة عشر يوماً، وكان يوم السبت عطلة فخرجت صبح الأحد في السابع عشر من الشهر لأقابل قائمقام البلد فوجدت عنده قائد الدرك ولا أذكر اسمه، ولكنه يُكنى بالزهراوي فتوجهت إلى القائمقام معزياً بعبارة (

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير