تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عظم الله أجركم) فرَدَّ علي تعزيتي مستغرباً وتساءل: بأي شيء أُعزيه فقلتُ بوفاة الأمَّة، فقال: لم أفهم قصدك بعدْ، فقلت يا أمين باشا: إن الوزارات مؤسسات تقوم على مصالح الرعيَّة، ولكل وزارة ميزانية تُصرف في سبيل تحقيق غاياتها، فوزارة التربية والتعليم، التي تضمُّ جيشاً من المعلمين، الذين يسهرون على تربية النشء وتعليمه وتقويم أخلاقه، ويصرفون الأموال الطائلة لأجل الوصول إلى هذه الغاية النبيلة، نُقَوِّض عملهم، ونَدكَّ بُنيانهم، فنفتح مرقصاً لنهدم به كل ما بناه الأساتذة والمخلصون، أليسَ في هذا موت الأمة.

قال: كذلك لم أفهم أين هو المرقص، لقد مرت عليَّ رخصة تمثيلٍ فسمحتُ بها، قلت إنها جوقة رقصٍ ترقصُ كل ليلة من سبعة عشر يوماً ولم تعلم بحالها فالبلية أعظم، قال اليوم تغلق، هنا تدخّل قائد الدرك فقال لي بعنجهية وكبرياء، من قال لك يا أستاذ، فأجبته بجُرأة وما هو غرضك في ناقل الخبر، المهمُّ معرفة الواقع، فإن كان ما ذكرته غير صحيح فعليّ إثباته، وإن كان صحيحاً فلا يهمّك أن تعرف المُخبر، فأنت رجل مسئول عن الأمن ولك عيونٌ تأتيك بالحوادث الخطرة المعكرة للأمن، وأنا وكلّ مواطن مسؤول عن الدين والأخلاق ولنا عيون تأتينا بالأخبار الخطيرة على الدين والأخلاق، فإذا أعلمتني بعيونك أُعلمك بعيوني، والتعاون في مجالات المخاطر واجب الواعين في الأمة.

فأجاب مع التراجع عن كبريائه قائلاً: صحيحٌ ما ذكرت ولكنْ لم يبق في رخصتهم إلا أيامٌ قليلة، فقلت له هذا منطق عجيب غريب، يمكن أن يُسمى بالمنطق المفلوج، فثار قائلاً كيف ذلك؟ قلت يستطيع العاقلُ أن يفهم إذا قيل له بقى في عمر الخير دقيقة واحدة بأنه يجب أن تُستوفى، ولكن إذا قيل له بقي في عمر الشر قليل أو كثير، وهو قادر على اجتثاثه، لا يستطيع أن يفهم انتظاره لينتهي أجله المحدد له، ألسنا قادرين على إلغاء رخصة هذا الشر، فكرر أمين باشا قوله طيّب اليوم تُلغى.

ثم أراد تحوير الحديث فقال يظهر لي أنْ لا تعارف بينك وبين سيادة القائد " قائد الدرك "، قلت نعم، قال ولِمَ؟ قلتُ: إنَّ قوى الأمنِ لا تحب التعرّف على أمثالي، لاحتمال أن يُؤمروا باعتقالهم، فعدم التعرف عليهم يُيسر لهم تنفيذ الأمر، ويجوز أن يتعرفوا عليهم، إذا تصاغروا لهم وذلوا بين أيديهم واعتزوا بهم، وأنا لا أعتز بغير ربي لأنَّ من اعتزَّ بغير الله ذل، وإذا ما تعرفت على حاكم وعاشرته، فلكيْ أُعينه على الإصلاح لا لأرجو قضاءَ مصالحي الخاصة عنده.

قال: بارك الله فيك يا أستاذ، وعدتُ مرةً ثانيةً لأقولَ إلى أمين باشا: لي رجاء ثانٍ عندك يا أمين باشا قال تفضل، قلت أنت رجل إداري، والرجل الإداري يجنح إلى المدارة ويميل نحو الأكثرين، فيجوز أن يلقاك الكثيرون فيقولون لك لا تستمع لهذا الشيخ الذي لم يراجعك غيره بهذا الشأن، وهل إدلب إلا كغيرها من مدن سوريا ففي دمشق وحلب وحمص وحماه واللاذقية ودير الزور وغيرها، توجد هذه الأجواق ولا يعارضها أحد، وليس حضورها إجبارياً على أحد، فتميل لإرضاء الأكثرين بحكم وظيفتك، لذلك أخصّ رجائي بأن تستشعر في أعماق نفسك بأن الذي راجعك بهذا الشأن هو أكبر من الشيخ نافع، وأكبرُ منك وأكبر من محافظ حلب ومن الوزراء ومن رئيس الجمهورية، ... اسمه الحقّ فإذا استشعرت في نفسك هذا لا ترد على أولئك المعترضين، فقال طيّب طيّب على الرأس والعينْ.

قلت رجاءٌ ثالثٌ وكفى، فابتسم وقال نعم تفضّل، قلت أرجو أن تتأكد أنَّ صِفة هذه البلدة محافِظة، فأكثر أهلها مُتدينون، لذلك أرجو أن تُغلق دونها أبواب هذه المشاكل، وهي لك شاكرة، أدامك الله نصراً للحقّ وللفضيلة، فقال لك ما تريد، فودعته شاكراً داعياً له بالخير.

ولكني علمت بعد ذلك، أن وقعت الواقعة بينه وبين قائد الدرك، لأنَّ الجوقة كانت تبيتُ عنده في نهاية السّهرة ُ عفا الله عنا وعنه، ولكن القائمقام نفَّذَ ما وعدْ، فأنا من أجلِ ذلك أحبُّ أمين باشا حباً عظيماً، جزاه الله خيراً على صالح عمله. " انتهى كلام الشيخ ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير