تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعدئذٍ تَوجّه العقيد (الفتيّح) إلى الوالد متسائلاً ما رأيك في التمثيل؟ فأجابه باختصار شديد أنَّه لا مانع منه إذا خلا من مظاهر ممنوعة شرعاً، أما ما اعتاده الناس من التمثيليات المشحونة بالإغواء والإغراء، والمظاهر المثيرة مما لا يُبيحه الشَّرع، فغير جائز، كما لو أراد تمثيل عاقبة خيانة الزوجة، ومصاحبتها لغير زوجها، فأظهروا لرواد المسرح، تآمرها وحبَّها ومداعبتها ومواعيدها ومبادلتها إياه الأشواق والحركات المريبة والقبلات والهمسات والخلوات، وشهوات السمع والبصر إلى آخر ما هنالك، فإن مُشاهدة هذه المناظر يُنسي العاقبة.

فلما سمع منه هذا الجواب صمت غير مقتنع فيما يبدو، أو كأنه أفسح المجال للمحافظ ولكنه لم يتكلم بشيء، ثم ودعهما باحترام، وسرعان ما سمع والدي أنَّ المحافظ راح يغتابه في مجالسه الخاصة، ويصفه بالجمود الفكري، والرجعية المذمومة، والتعصب الممقوت، ثم جاهر بعدائه له.

زاره بعد ذلك مع مدير التربية مرَّةً في مدرسته الخاصة، زيارة توجيهية، فتفقَّد الصفوف، وانتقدها مرَّةً بصغرها، وأخرى بقلةِ النُّور، وثالثةً بقلة النوافذ، ورابعة بضيق الباحة، وآخر ما قال عندما خرج الطلاب إلى الباحة، فرأى الطلاب بين كبير وصغير هؤلاء الطلاب الكبار، لا يجوز أن يكونوا مع الأطفال الصغار ويجب عزلهم في دار أخرى فقال والدي، إنَّ هذا لا يتسنّى لي ويصعب عليّ، ورخصة مدرستي روضة وابتدائي أصلاً.

فقال: المهم إذاً أنْ نجمع دراهم ونضعها في جيبنا، .... وهنا اعتدل والدي في جلسته وقال له: لقد ظهر لي أنك لا تعرف من أحوال مدرستي شيئاً، لذلك أصبح لِزاماً علىَّ أن أُعرفك حقيقة هذه المدرسة، التي يعرفها هذا المدير، وأشار إلى مدير التربية، وهو الأستاذ جميل محفوظ، وذلك من خلال إضبارتها ومسموعاتها وخرِّيجيها.

إنَّ هذه المدرسة فُتحت في عهد الاحتلال الفرنسي في الوقت الذي كانت فيه الحريات مخنوقة، ولا يَجرؤ المعلم في المدارس الرسمية أن يقول: وَطْ ... نصف كلمة وَطَنْ فُتحت هذه المدرسة لتزوِّد النشء بالعلم والدين والخلق المتين، وتربيته تربية تجعل منه جيلاً يعتز بالله، ويقوى على حفظ وطنه، والمطالبة بحقوقه، ورعاية مصالح أمته، وليطرد المستعمر من دياره، ولا أَدلَّ على ذلك من سؤال أساتذة مدارس التجهيز حين يرون تلميذاً أديباً مُجداً فيقولون له: يظهرُ أنك آت من مدرسة الفتح فيجيب التلميذ: نعم اكشفْ إضبارتها، لتعلم أنها سجّلت أعلى نسبة في النجاح في فحوص السيرتفيكا، وأنها غالباً تسبق المدارس الرسمية التي يُصَبُّ عليها نهرٌ من ذهب، وآخر ما ألفت نظرك إليه، أن تسأل دائرة السجل العقاري عما جناه صاحب هذه المدرسة من أملاك من وراء هذه المدرسة، فإذا ما سألت وعلمت حقيقة هذه المدرسة التي ابتعدت عن استهداف المال وتحاشت المتاجرة بالعلم والتربية، وأخلصت في عملها، تُدرك حينئذٍ أنك أخطأت في اتهامك إياها باستهداف جمع المال، ومع ذلك إذا كانت هذه المدرسة لم تُعجبك فأغلقها. وهنا، وللتاريخ أقول، أعجبتني كلمة قالها مدير التربية نفت اقتناعه بما سمعه من اتهامات المحافظ المستبد حيث قال مخاطباً والدي: ومن يجرؤ على إغلاقها أو اتهامها في سلوكها، إنَّ إضبارتها سجلت أحسن المزايا التي نعتزّ بها، وإنك مشكورُ العمل والجهود يا أستاذ، وجزاك الله خيراً.

وبذلك ختم هذا المجلس مع المحافظ فانصرف ولكنّه كان محقوناً وحاقداً.

حادثة أخرى معه.

كان المحافظ يرغب كثيراً في كسر القيود الدينية عند الطالبات، وتجاوبت معه مديرة التجهيز آنذاك والتي كانت في زمنه، فشدّدت على الطالبات المتحجبات، وأكثرت بالاتفاق مع المحافظ من إقامة الحفلات المختلطة، والتي يحضرها المدعوون والمدعوات من الرجال والنساء حتى إنها أقامت مرة تمثيلية ألبست فيها الطالبات الممثلات ثياباً من ورق ملون وشهدها الرجال والنساء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير