تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واستطال المحافظ في اتباع هواه، حتى أباح المشروبات الكحولية في الحديقة العامة أمام دار الحكومة، وهذه الحديقة يرتادها كثير من الناس المتدينين، لينعموا فيها ساعة من الزمن بالهواء النقي، والمناظر النباتية الطبيعية الجميلة، ورأى والدي العقلاء في البلد يتهيَّبون نُصحه، أو الكلام معه في تصرفاته الكيفيّة، فتقدّم إليه بعريضةٍ لطيفةٍ رجاهُ فيها مراعاة عقائد المسلمين وعواطفهم، وطلب منه إلغاء ما أباحه من المشروبات الكحولية في الحديقة المذكورة، طلباً مقترناً بالحُجج الشرعية والقانونية، لأن الحديقة واقعة أمام دار الحكومة من الشرق، وفي جهتها الغربية مدرسة تجهيز البنات، يفصل بينهما الشارع العام، وهي قريبة من جامع شهاب، ومن مدرسته الفتح الأهلية، بأقل من المسافة القانونية، وأشار في خطبة الجمعية إلى هذا الأمر، وإلى انخلاع الطالبات من لباس الحشمة، وحثت الآباء على صيانة بناتهن من الانزلاق والتردي، وكثر لغط الناس في نقد مشايخ إدلب على سكوتهم، وعدم تعاونهم مع الشيخ نافع في مقاومة التهتك والتبرج وسألهم البعض عن سبب عدم تعاونهم معه فقالوا إن الشيخ نافع لم يطلب مِنا هذا التعاون.

بعد تقديم العريضة المذكورة، وضعها المحافظ في سلة المهملات وانتظر والدي شهراً كاملاً ثم مدَّ الشكاية عليه إلى مكتب تفتيش الدولة في دمشق وهنا حدث فصل طريف لا ينبغي إغفال ذكره.

أرسل العريضة الثانية إلى مفتي البلد قبل إرسالها إلى دمشق بناءً على ادعائه السابق بأنَّه لم يطلب من المشايخ معاونته، وأخذها إليه الأستاذ نافع عاقل الذي كان معلماً منتدباً إلى مدرسته الفتح الأهلية، وأوصاه أن يلصق عليها الطابع إن رضي أن يوقعها، وإلا فقد كتب منها نسخة ثانية بصيغة الإفراد، فلما عرضها عليه صاح مستغرباً: أعوذ بالله هذه شكاية على سيادة المحافظ كيف أوقعها، إن الشّيخ نافع يريد مني أن أوقعها معه ليحتمي بتوقيعي من غضبةِ المحافظ فأجابه الأستاذ العاقل: لا يا أستاذ إنه يريد أن يلغي احتجاجكم أمام الناس الذين لاموكم على عدم التعاون معه في مقاومة الباطل حيث قلتم إنّه لم يطلب منا المعاونة.

وعاد بالعريضة غير موقعة ولا غرابة في هذا، إنما الغرابة في إخباره المحافظ، هذه الواقعة بعد إطلاعه عليها، فهتف المحافظ هذا فوراً إلى رئيس المباحث قائلاً له بسخرية: أتعلم نبأ المضابط والعرائض التي يقوم الشيخ الشامي بتوقيعها من الناس، فنفى علمه بها، فقال هازئاً به، أين أنت إذاً ... !!!؟ أهكذا يكون سهرك على الأمن؟ فهتف رئيس المباحث بدوره يستدعي والدي ويسأله عن العرائض التي يقوم بتوقيعها، فقال هناك عريضة واحدة باسمي وحدي فقط، وأنا على وشك أن أضعها في البريد، وأطلعه عليها وعلى مسودة العريضة السابقة، التي أرسلها لمديرية الافتاء، ليطلع المفتي عليها، وبيّن له سبب إرسالها له، وكيف أعادها.

واتصل رئيس المباحث بالمفتي يسأله عن العريضة، فأجابه إنَّ الشيخ نافع الشامي يشتكي على سيادة المحافظ، وقد طلب مني مشاركته هذه الشكاية فرفضت توقيعها، وكان والدي يسمع جواب المفتي لرئيس المباحث، لقربه من الهاتف، ثم قرأ رئيس المباحث العريضتين فتعجب واستغرب، وقال لا شيء فيهما يشوش أو يثير الحفيظة، وهي عريضة موقعه باسم مرسلها إلى دائرة دولة، والناس أحرار فيما يكتبون وفي ا لعريضتين الأدب والعلم والدليل على ما يُراد.

وفي هذه اللحظة دخل عليه ضيوفٌ من علماء دمشق، ولكنّه استأذن ليذهب بالعريضتين إلى مقابلة المحافظ وخيّر والدي بين انتظار عودته والتسلّي مع الضيوف وبين الانصراف فاختار البقاء إلى جانب ضيوفه، وعاد رئيس المباحث بعد ساعةٍ عاشها مع المحافظ في جدالٍ عنيف، كما اتضح من وجهه وحديثه، وكانت نتيجة هذه المقابلة أن أمر المحافظ مأمور الأوقاف، أن يكفَّ يد والدي عن وظائفه الدينية في الخطابة والتدريس، وأمر مدير المالية أن لا يصرف أمر الصرف لإعانة مدرسته الفتح الأهلية.

ولا يخفى أن انصياع مدير المالية ومدير الأوقاف، لأمر المحافظ بهذا الشكل لا يجوز قانوناً، ولكن جُبن الموظف، واستبداد الكبير، هو الذي يؤدي إلى مثل هذا التصرف المُخزي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير