تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كانت آخر خطبةٍ خطبها على خشبة منبر الجامع الحمصي، دوَّت أرجاء المدينة بعبارات تقطر منها العزة الإسلامية والكرامة وجرأة الأحرار.

موقف جرى ضمن زمن الموقف.

لما تابع الشيخ نافع شكايته على المحافظ إلى مكتب تفتيش الدولة بدمشق، جاءت هيئة تفتيشية وألغت أمر المحافظ، بشرب الكحول في الحديقة العامة، وكان ذلك بالنسبة إلى المحافظ طعنة في كبريائه، فطاش سهمه.

وصادف وجود معرض للرسم في مدارس مديرية التربية، فافتتحه المحافظ في مدرسة صلاح الدين الأيوبي، وألقى كلمةً، ولم يتمكن من كتم غيظه من الشيخ نافع، فعرَّج في خطابه، على أمور التبرّج الذي يدعو إليه، وذكر مقاومة الشيخ له في ذلك، وإنكاره عرض الطالبات المتبرجات باسم الفتوّة مكشوفة رؤوسهن، بادية نحورهن، محسورة ثيابهن، فقال: إن بعض المشايخ في هذا البلد لا يروق لهم فرح الناس بأعياد الوحدة فراحوا يقاومونها، لأنهم يكرهون الوحدة، فتستروا بالدين في مقاومتها وقالوا إننا نعرض سيقان الفتيات، وما دروْا أننا نعرض القوة التي كانت خفية، نحن نعرض قوة النصف الثاني من المجتمع ليراها الناس، فتقوى معنوياتهم، ودندن حول هذا المعنى ثم قا ل: إن هؤلاء مخرِّبون، هؤلاءهم منافقون يجب أن يُداسوا بالنّعال، يجب أن نقول لهم كما قال سيادة الرئيس جمال عبد الناصر في خطابه:

" عودوا إلى جحوركم أيها المنافقون اخسؤوا أيهاالمخربون ".

كان هذا الكلام، قبل عيد الفطر بأسبوع، وسيمر يوم جمعة ثمَّ يعقبها العيد، وكان والدي خطيب الجامع الحمصيّ آنذاك، فأوكل خطبة الجمعة للأستاذ أحمد قطيع حفظه الله، خوفاً من أن لايتمالك نفسه، فيتحدث عن خطاب وموقف المحافظ، فيضيعُ كلامه سدىً، لأن المحافظ لا يصلي الجمعة، ولكنه يُصلي العيد من أجل المراسيم المعتادة، لذلك انتظر والدي حتى إذا جاء عيد الفطر، وحضر المحافظ الصلاة، ارتقى المنبر، وانطلق تحت عنوان: (التاريخ يعيد نفسه).

فأجمل الخطوط العريضة في غزوة تبوك، وبيَّنَ أن الروم غاظهم ظهور دعوة الإسلام، فحاربوها من الخارج والداخل، حاربوها من الخارج بحشد الجيوش الجرارة على الحدود، حيث بلغ ما حشدوه مئة ألف وزيادة، وحرَّكوا عملاءهم المنافقين من الداخل، فبنوا مسجد الضرار، كما سماه الله تعالى ونهاه عن القيام فيه، وقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم تخييب آمالهم، فدعا المسلمين للتسلّح والخروج إليهم على الحدود، ولم يسمح بتخلف أية قوة في سبيل الله، عن التجهيز لهذه الغزوة، وكان إذا دعا للغزو يُوَرِّى، إلا في هذه الغزوة فكان يُصرّح ولا يُوَري، وقد اجتمع فيها عدة أعسار، ولذا سميت أيضاً غزوة العسرة، ورغم الأعسار التي تجمعت فيها، لم يتخلف عنها سوى ثلاثة أشخاص من المؤمنين، فعوقبوا بالمقاطعة ونزل فيهم قول الله تعالى:

لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار …الآية،وكان في ذلك تأديبٌ عظيمٌ لهم.

وإن وضعَ المسلمين إذ ذاك، في تألّبِ أعدائِهم من الخارج والداخل، يشبه وضع أمتنا اليوم، فقد غاظت الوحدة الجزئية بين مصر وسوريه، أعداء الأمة في الخارج فلم ينوا في سبيل تقسيمها، بشيء من قواهم التي جندوها لخذل الأمة العربية، والحيلولة دون تكامل وحدتها، كما أوعزوا إلى عملائهم في الداخل، من المنافقين وأعداء الأمة، أن يخرّبوا هذه الوحدة، وقد خفى على سيادة الرئيس جمال عبد الناصر بعض هؤلاء المنافقين المخربين من أبناء هذه الأمة، فوصلوا إلى مراكز حساسةٍ في الدولة واستخدموا سلطتهم في عوامل التخريب، وأوضح الأمثلة على هذا ما نحسه من استغلال بعض ذوي السلطان أعياد الوحدة لتكريه الناس بهذه الوحدة، وتبغيضهم بعهدها، فراحوا يعرضون فيها الطالبات المتبرجات باسم العيد، ونحن الآن نسألكم معشر المسلمين، أيُّ واحد منكم يسرّه أن يُعرض عرضه أمام الناس، ولا شك أنكم تكرهون هذا، وتبغضون من يفعله أو يفرضه عليكم، وبذلك تصبح الوحدة بغيضة إلى النفوس ولو علم سيادة الرئيس بهذا الواقع لطرد أولئك المنافقين المخربين من وظائفهم، ولزجَّهم في غيابات السجون ولأمرَ الناس بنبذهم، ومن حَقِّ كل مواطن حرٍ أبي مسلم أو غير مسلم، أن يقول لهؤلاء الخونة كما قال سيادة الرئيس جمال عبد الناصر في خطابه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير