[محنة ابن جرير مع البغاددة، وتفسير المقام المحمود ...]
ـ[احمد بن فارس السلوم]ــــــــ[13 - 07 - 10, 07:29 م]ـ
محنة ابن جرير مع البغاددة وتفسير المقام المحمود ...
لا يمر علي يوم بليلته دون أن يمر ذكر ابن جرير على فمي، إما مشيدا به، أو ناقلا عنه، أو تاليا سيرته على جلسائي، أو مترحما عليه، ولا تنقضي عجائب هذا الإمام عندي،،،
وكلما كنت في مجلس فدخل علينا مُسَلِّم فاختلف جلسائي في القيام أو القعود للسلام عليه يحضر ابن جرير للفصل في هذه المسألة في بحث كتبه في تهذيب الآثار ليس لأحد سواه مثله ...
ومن عجائب ربنا أنه لم يتصل بنا كل ما كتب هذا الإمام، ولو أنه وصل إلينا كل ما سطره قلمه لانقطع عمر طالب العلم - الفهم الثقف - قبل أن يقطع كتبه قراءة وتدبرا، ذاك لأنه حسبو لابن جرير عدة ما صنف مع عدة أيام حياته كلها منذ بلغ فكان لكل يوم 14 ورقة!!
وقد مات ابن جرير عن نحو 86 سنة أي نحو 31025 يوم، أي أن مجموع ما ظهر للناس مما صنفه ابن جرير يساوي: 14× 31025 =434350 ورقة .. باعتبار ايام حياته منذ خلق واحسب إن شئت على اعتبار بلوغه فأنا ضعيف في الحساب.
وهب أن الورقة منها كانت كورقة من تفسيره – من طبعة قديمة -.
ثم هذا هو الذي ظهر للناس، وأما ما لم يظهر أو فُقد قديما أو خَص به بعض الناس دون بعض فلا يعلمه إلا الله ..
وهذا الذي ظهر أتظن أنه وُلد مبيضا محررا، ما ظهر للناس إلا بعد مسودات كثيرة ..
فرحم الله ابن جرير وأجزل مثوبته ...
وقبل مديدة سألني أحدهم عن الكائنة التي كانت بينه وبين الحنابلة، وعن التعصب الذي لقيه من البغاددة – سامحهم الله – فذكرت له القصة، وما جرى بينه وبين ابن أبي داود الحافظ من نزاع في تفسير قوله تعالى (عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا) وكنت قرأت تفسير ابن جرير مرات، بل كتبه كلها قرأتها مرات ومرات، ولا عجب فالغر مثلي إذا تنزه في عقل كعقل ابن جرير يرتاع من هذا النمط المخيف!
فاشتقت إلى النظر في هذا الموضع الذي حصل النزاع بينه وبين ابن أبي داود فيه، فاستفدت منه فوائد عظيمة ..
وسأجعل نصيبي اليوم من ذكر ابن جرير مدارسة هذه المسالة معه.
وقبل أن أبدأ أنقل تفصيل هذه المحنة التي حصلت له:
ـ[احمد بن فارس السلوم]ــــــــ[13 - 07 - 10, 07:37 م]ـ
محنة ابن جرير مع الحنابلة وأهل بغداد
كان بين ابن جرير وبين أبي بكر بن ابي داود (المولود سنة 230 – والمتوفى مع ابن جرير سنة 310) ما يكون بين الأقران، وكان ابن ابي داود من شيوخ الحنابلة في بغداد، وكانت بينهما منافسة أثمرت عن كتب وأجزاء حديثية طواها الدهر، فقد كتب ابن ابي داود جزءا في تضعيف حديث غدير خم، فكتب عليه ابن جرير كتابا في الفضائل بدأ بفضل الخلفاء الراشدين، ثم تكلم على حديث غدير خم واحتج لتصحيحه،،، وقد اطلع الذهبي على جزء منه فقضى العجب منه، وجزم بحدوث تلك القصة ..
وكذلك كتب ابن جرير كتابا في فضائل القرآن والأعمال فكتب ابن ابي داود كتابا في فضائل القرآن ..
- وما أحسن التنافس بين العلماء إذا أثمر مثل هذا -.
قال الذهبي في السير (14/ 278): جمع ابن جرير طرق حديث: غدير خم، في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك.
قيل لابن جرير: إن أبا بكر بن أبي داود يملي في مناقب علي.
فقال: تكبيرة من حارس.
وقد وقع بين ابن جرير وبين ابن أبي داود، وكان كل منهما لا ينصف الآخر، وكانت الحنابلة حزب أبي بكر بن أبي داود، فكثروا وشغبوا على ابن جرير، وناله أذى، ولزم بيته، نعوذ بالله من الهوى أهـ.
وأما بدء هذه المحنة فقد ذكره عبد العزيز بن هارون (كما في معجم الأدباء والوافي بالوفيات):
قال: لما دخل أبو جعفر إلى الدينور ماضياً إلى طبرستان دعاه بعض أهل العلم بها، فلما اجتمعا قلت يا أبا جعفر، ما يحسن بنا أن نجتمع ولا نتذاكر، فقال عبد اله، بن حمدان: قد ذاكرته فأغربت عليه خمسة وثمانين حديثاً، وأغرب علي ثمانية عشر حديثاً.
¥