تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لم يترك فقهاء القيروان أرضهم، بل صمدوا عاملين للسنة بكل ما أوتوا من قوة، يقول ابن ناجي في كتابه (معالم الإيمان) "جزى الله مشيخة القيروان، هذا يموت وهذا يُضرب، وهذا يُسجن، وهم صابرون لا يفرون، ولو فروا لكفرت العامة دفعة واحدة .. " (14)

إذن هي باطنية تتستر بالإسلام، ولكن القصد كما قال لهم العالم الشهيد أبو بكر النابلسي:"إنكم غيرتم الملة وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهية" (15)

ومن هؤلاء العلماء الشهداء الذين يجب أن لا ننساهم إذ جهروا بعقيدتهم السنية محمد بن خيرون المعافري، الذي قُتِل دوساً بالأرجل والعبيد يقفزون عليه من مكان عال، حتى فاضت روحه إلى بارئها، وهذا بأوامر من عبيد الله القداح المسمى بـ (المهدي) (16)

والإمام الشهيد ابن البردون تلميذ أبي عثمان الحداد، وُشي به إلى عبيد الله بأنه يطعن في دولتهم فأمر بقتله، ولما جُرّد للقتل قيل له: أترجع عن مذهبك؟ قال: أعن الإسلام أرجع، ثم صُلب وكان ذلك في عام 299 هـ وكان بارعا في العلم رحمه الله (17)

والإمام القدوة أبو بكر النابلسي، أتي به من الشام في قفص من خشب، فقال له جوهر الصقلي وبحضور (المعز) أنت القائل: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي الروم بسهم وفينا بتسعة أسهم، قال أبو بكر: ما قلت هذا، بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً، فأمر به يهودياً فسلخه من مفرق رأسه، فكان يذكر الله ويصبر حتى بلغ الصدر فرحمه السلاخ فوكزه بالسكين في قلبه فقضى عليه، وكان الدارقطني يذكره ويبكي ويقول: كان يقول وهو يسلخ (كان ذلك في الكتاب مسطورا)

والإمام الشهيد قاضي مدينة برقى محمد ابن الحبلي لم يستجب لأوامر العبيديين فعلقوه بالشمس حتى مات، وكان يستغيث من العطش وما من مجيب ثم صلبوه. والقائمة تطول بما فعل بنو عبيد وفروعهم من الإسماعيلية الحشاشين بزعماء أهل السنة. (18)

وكان من نتائج هذا الحقد وهذا الإجرام أن انضم علماء المالكية إلى ثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد رغم أنه من الخوارج ورأوه رجل الخلاص وقالوا: نكون مع أهل البدعة لمقاومة أهل الزندقة المغيرين للدين، وكادت ثورة أبي يزيد أن تقضي على دولة العبيديين لولا أن جاءتهم الإعانة الغذائية من زيري بن مناد الصنهاجي (19)

ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي القضاء نهائياً على بقايا الدولة العبيدية في المغرب العربي، وبخاصة بعد أن أعلن (الحاكم) في مصر عن عقيدته الفاسدة، فكانت انتفاضة القيروان وعلى رأسها العالم حسن البلوي الذي كان شديداً على أهل البدع والرافضة، وكانت العامة تتبعه، وكان من رجال السلطة من له هوى مع العامة، فكان عامل القيروان منصور بن رشيق يمشي وكأنه يُسَكّن الناس وهو يشير إليهم بالزيادة في ضرب الباطنيين، كما أن المعز بن باديس والي شمال أفريقيا كان ملتزماً للسنة مبغضاً لمذهب الرافضة، وقد أعلن عن مذهبه لأول ولايته وفي عام 440 محا اسم المستنصر العبيدي من الخطبة والسكة ودعا للقائم بن القادر الخليفة العباسي في بغداد.

لم تستطع هذه الدولة بدعوتها الضالة بالرغم من استمرارها خمسين عاما في الشمال الأفريقي أن يكون لها أثر، ولم يستجب لها إلا القليل الذين استهوتهم الأطماع ومالوا إلى الرتب، ولو كان عددهم كثيراً لقامت حرب داخلية، ولكن بمجرد أن أعلن المعز بن باديس المذهب السني انقرضت هذه الفرقة وكأن لم تكن. ومن أكبر الأسباب في ذلك صمود العلماء الذين قاوموا بإخلاص ووقفت الأمة معهم. وقد كان الإمام الماوردي في بغداد يسعى لتقوية جانب الخلافة العباسية لدرء أخطار هذه الفرق وكان هذا رأي علماء السنة أيضاً واعتبروا أن ذلك أوكد من مواجهة الروم، ولا تكون هذه القوة إلا عبر وحدة كبيرة بين المذاهب السنية، وربما لاحظ الإمام الغزالي بكل حزن وسخط أن جهل الناس بدينهم هو الذي أدى إلى انتشار هذه الفرق، ولشعوره بخطر هؤلاء ألف كتابه (فضائح الباطنية).


1 - قارن بأطماع الخميني وتلامذته في تصدير الثورة والتحدث باسم المسلمين أمام الغرب والعالم.
2 - كما يعبر الدكتور حسين مؤنس رحمه الله.
3 - كما يحاولون اليوم التسلل إلى مصر من خلال شخصيات معينة ومن خلال الكتب والمجلات وإحياء الآثار الفاطمية (بزعمهم).
4 - الإسلام والحضارة العربية 2/ 478
5 - أيمن فؤاد سيد: الدولة الفاطمية /133
6 - وانظر عدد المعابد اليهودية في طهران وفي المقابل لا يوجد مسجد واحد لأهل السنة.
7 - ابن الأثير: الكامل 10/ 11
8 - عبد الله العروي: السنة والإصلاح / 131
9 - أيمن فؤاد سيد: الدولة الفاطمية / 147
10 - محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية 2/ 478
11 - أيضا أيمن فؤاد سيد: الدولة الفاطمية /141
12 - وظفوا رجلا أعمى يمشي في الأسواق ويسب الصحابة (حسين السباب)
13 - القاضي عياض: ترتيب المدارك 2/ 521
14 - الشاذلي النيفر: المازري الفقيه المتكلم /8
15 - الذهبي: سير أعلام النبلاء 16/ 148
16 - يعلق الإمام الذهبي: فيا ما لقي الإسلام وأهله من عبيد الله الزنديق.
17 - سير أعلام النبلاء 14/ 216
18 - وانظر ما فعله الباطنيون في العراق من تقتيل للعلماء.
19 - وهذا يؤكد مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية أن الرافضة وما تفرع عنهم لا تقوم لهم قائمة إلا بمعونة أهل السنة (المغفلين).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير