تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما عن تفسير قول الله تعالى (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ وَلاَ نَبِيّ إِلاّ إِذَا تَمَنّىَ أَلْقَى الشّيْطَانُ فِيَ أُمْنِيّتِهِ فَيَنسَخُ اللّهُ مَا يُلْقِي الشّيْطَانُ ثُمّ يُحْكِمُ اللّهُ آيَاتِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (13) والتي جعل العديد من المفسرين قصة الغرانيق شاهدا عليها، فقد تحدث في تأويلها غير واحد من أهل العلم، فقال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " والسلف كلهم على أن المعنى إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته " وبينه القرطبي فقال في " تفسيره " وقد قال سليمان بن حرب إن (في) بمعنى عند " أي ألقى الشيطان في قلوب الكفار عند تلاوة النبي " كقوله عز وجل [وَلَبِثْتَ فِينَا] (14) أي عندنا

وقال الشنقيطي " وإن ذكرنا أن قوله {فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ} يستأنس به لقول من قال: إن مفعول الإلقاء المحذوف تقديره ألقى الشيطان في قراءته ما ليس منها، لأن النسخ هنا هو النسخ اللغوي، ومعناه الإبطال والإزالة من قولهم: نسخت الشمس الظل، ونسخت الريح الأثر، وهذا كأنه يدل على أن الله ينسخ شيئاً ألقاه الشيطان، ليس مما يقرؤه الرسول أو النَّبي، فالذي يظهر لنا أنه الصواب،وأن القرآن يدل عليه دلالة واضحة، وإن لم ينتبه له من تكلم على الآية من المفسرين هو أن ما يلقيه الشيطان في قراءة النَّبي: الشكوك والوساوس المانعة من تصديقها وقبولها، كإلقائه عليهم أنهم سحر أو شعر، أو أساطير الأولين، وأنها مفتراة على الله ليست منزلة من عنده.

والدليل على هذا المعنى: أن الله بين أن الحكمة في الإلقاء المذكور امتحان الخلق، لأنه قال {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ثم قال {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} (15) فقوله {وَلِيَعْلَمَ الذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ}. يدل على أن الشيطان يلقي عليهم أن الذي يقرأه النَّبي ليس بحق فيصدقه الأشقياء، ويكون ذلك فتنة لهم، ويكذبه المؤمنون الذين أوتوا العلم، ويعلمون أنه الحق لا الكذب كما يزعم لهم الشيطان في إلقائه: فهذا الامتحان لا يناسب شيئاً زاده الشيطان من نفسه في القراءة، والعلم عند الله تعالى.

وعلى هذا القول، فمعنى نسخ ما يلقى الشيطان: إزالته وإبطاله، وعدم تأثيره في المؤمنين الذين أوتوا العلم، ومعنى يحكم آياته: يتقنها بالإحكام، فيظهر أنها وحي منزل منه بحق، ولا يؤثر في ذلك محاولة الشيطان صد الناس عنها بإلقائه المذكور، وما ذكره هنا من أنه يسلط الشيطان فيلقى في قراءة الرسول والنَّبي، فتنة للناس ليظهر مؤمنهم من كافرهم. (16)

والله أعلم

أسامة عبد العظيم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) {النَّجم 33/ 62}

(2) {الأنعام:33}

(3) [الحاقة 44: 47]

(4) [الحجر 9]

(5) [القيامة 16: 18]

(6) [فصلت 41ـ 42]

(7) [السجدة2: 3]

(8) [النجم:3 - 4]

(9) (الإسراء:74:73)

(10) (النساء:113)

(11) [النجم:23]

(12) [الإسراء 74]

(13) [الحج – 52]

(14) (الشعراء: 18)

(15) [الحج:54]

(16) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير