القول الثاني: من أثبت الرؤية، قال ابن عباس و عكرمة رآه بقلبه، وروى مسلم عن ابن عباس أنه قَالَ " رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ " (12) وفي رواية أنه قَالَ رَآهُ بِقَلْبِهِ (13)
وروى الترمذي وحسنه عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ. قُلْتُ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ (لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) قَالَ وَيْحَكَ ذَاكَ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ الَّذِي هُوَ نُورُهُ وَقَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ (14)
وقال الإمام أحمد بن حنبل رآه بقلبه، ولم يقل برؤيته في الدنيا
وقال علي بن إسماعيل الأشعري و جماعة من أصحابه أنه رأى الله تعالى ببصره و عيني رأسه
وقال كل آية أوتيها نبي من الأنبياء عليهم السلام فقد أتي مثلها نبينا، و خص من بينهم بتفضيل الرؤية.
القول الثالث: نفي الرؤية وهو قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وابن مسعود وأبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهم وجماعة من الصحابة والتابعين.
فقال ابن مسعود عن قول الله تعالى [فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى] قال عنها قال رسول الله رأيت جبريل له ستمائة جناح (15) وقال أبو هريرة رضي الله عنه عن قول الله تعالى [وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى] (16) قال عنها قد رأى جبريل عليه السلام، وقال مجاهد عنها قد رأى رسول الله جبريل في صورته مرتين،أما أبو ذر رضي الله عنه فقد روى مسلم في صحيحه والترمذي وحسنه والإمام أحمد في مسنده واللفظ له عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ " قُلْتُ لأَبِى ذَرٍّ لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ سَأَلْتُهُ؟ قَالَ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ؟ قُلْتُ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» (17) وفي رواية مسلم «رَأَيْتُ نُورًا» (18) وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِى رِوَايَةِ النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» (19)
أما أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقد نفت رؤية رسول الله لربه عز وجل نفيا مُطلقا، ففي صحيح مسلم عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ:
يَا أَبَا عَائِشَةَ ثَلاَثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قُلْتُ مَا هُنَّ؟
قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ.
قَالَ وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلاَ تَعْجَلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ) (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى).
فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ».
فَقَالَتْ أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ (لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ)
قَالَتْ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه ِ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).
¥