وقد عاب حجة الإسلام على بعض المتصوفة الإتيان بعبارات يسمونها الشطح غير مفهومة حيث قال: ومن ذلك ما أحدثه بعض المتصوفة ممن تركوا فلاحتهم وأتوا بكلمات غير مفهومة يسمونها الشطح فيها عبارات هائلة وليس وراءها طائلة أو تكون مفهومة لكن لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل على ضميره لقلة ممارسته للعلم وجهله بطرق التعبير عن المعاني بالألفاظ الرشيقة فلا فائدة لذلك إلا أنه يشوش القلوب ويدهش العقول ويحير الأذهان.
ويقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي: "وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ نَهَى عَنْ مَعْرِفَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيمَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أُصُولِ دِينِ اللَّهِ فَهَذَا لَا يَكُونُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ نَنْهَى عَنْ بَعْضِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِثْلَ مُخَاطَبَةِ شَخْصٍ بِمَا يَعْجِزُ عَنْهُ فَهْمُهُ فَيَضِلُّ ....
من أمثلة مالا تبلغه العقول: وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}. الْآيَةَ فَقَالَ: مَا يُؤَمِّنُك أَنِّي لَوْ أَخْبَرْتُك بِتَفْسِيرِهَا لَكَفَرْت؟ وَكُفْرُك تَكْذِيبُك بِهَا. وَقَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ قَوْله تَعَالَى {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} هُوَ يَوْمٌ أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ؛ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ عَنْ السَّلَفِ أ. هـ شيخ الإسلام.
قلت: ومما لا تدركه العقول: إيراد الخطيب لألفاظ غير مفهومة لعامة الناس بل غير مفهومة لخواصهم إلا بعد بحث وتنقيب؟ أ. هـ كاتبه
قال الشيخ علي بن حسن بن ناصر عسيري في كتابه مسئولية إمام المسجد المسؤولية الثالثة: مراعاة أحوال المخاطبين، واختلاف مداركهم وبيئاتهم: " إن مراعاة أحوال المخاطبين أمر مهم لا يصح إغفاله، ومن لوازم اختيار الموضوع المناسب، والوقت المناسب، وعرضه بأسلوب يفهمه المخاطب، والحديث معهم على قدر عقولهم حتى لا يكون فتنة لهم فقد صح عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قوله: ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنه، وصح عن الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ قوله:"حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ".
وجاء في إحياء علوم الدين قول الغزالي " كِل لكلِّ عبد بمعيار عقله، وزِن له بميزان فهمه حتى تسلم منه، وينتفع بك، وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار ".
ويقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في ميزان العمل:
الوظيفة السادسة: أن يقتصر بالمتعلمين على قدر إفهامهم، فلا يرقّيهم إلى الدقيق من الجلي، وإلى الخفي من الظاهر، هجوماً وفي أول رتبة، ولكن على قدر الاستعداد، اقتداء بمعلم البشر كافة ومرشدهم حيث قال: " إنّا معشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ونكلم الناس بقدر عقولهم ". وقال: " ما أحد يحدث قوماً حديثاً لا يبلغه عقولهم، إلا كان ذلك فتنة على بعضهم ".
وقال: علي ـ رضي الله عنه ـ وقد أومأ إلى صدره: " إن ههنا لعلوماً جمة، لو وجدت لها حَمَلَة ".
وقال عليه السلام: " كلموا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله "
يتبع ................
ـ[أ. د.عبد الفتاح خضر]ــــــــ[13 - 06 - 09, 09:21 م]ـ
.
وسئل بعض المحققين عن شيء فأعرض، فقال السائل: أما سمعت قول رسول الله عليه السلام: " من كتم علماً نافعاً، جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار "، فقال: اترك اللجام واذهب فإن جاء من يفقه فككته فليلجمني به.
ولما قال تعالى: (وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءِ أَمْوَالَكُمُ)، نبّه على أن حفظ العلم وإمساكه عمن يفسده العلم أولى.
ولما قال تعالى: (فَإنْ آنَسْتُم مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم) نبّه على أن من بلغ رشده في العلم، ينبغي أن يبث إليه حقائق العلوم، ويرقى من الجلي الظاهر، إلى الدقيق الخفي الباطن، فليس الظلم في منع المستحق، بأقل من الظلم في إعطاء غير المستحق.
فَمَنْ مَنَحَ الجهّال علماً أضَاعَهُ ******* وَمَنْ مَنَعَ المسْتَوجِبِين فَقَدْ ظَلَمْ
¥