وكان من أصحاب رسول الله رجل من الأنصار يُدعى نعيمان بن عمرو بن رافع، وهو من أهل بدر، وكان رجلا كثير المزاح، طيب النفس، حلو الفكاهة، وكان كثيرا ما يمازح رسول الله وأصحابه، فمن مواقفه ما رواه الإمام أحمد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فِي تِجَارَةٍ إِلَى بُصْرَي قَبْلَ مَوْت النَّبِيِّ بِعَامٍ وَمَعَهُ نُعَيْمَانُ وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ وَكَانَا شَهِدَا بَدْرًا وَكَانَ نُعَيْمَانُ عَلَى الزَّادِ وَكَانَ سُوَيْبِطٌ رَجُلاً مَزَّاحًا فَقَالَ لِنُعَيْمَانَ أَطْعِمْنِي.
قَالَ حَتَّى يَجِيءَ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ فَلأُغِيظَنَّكَ.
قَالَ فَمَرُّوا بِقَوْمٍ فَقَالَ لَهُمْ سُوَيْبِطٌ تَشْتَرُونَ مِنِّى عَبْدًا لِي؟
قَالُوا نَعَمْ. قَالَ إِنَّهُ عَبْدٌ لَهُ كَلاَمٌ وَهُوَ قَائِلٌ لَكُمْ إِنِّي حُرٌّ. فَإِنْ كُنْتُمْ إِذَا قَالَ لَكُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ تَرَكْتُمُوهُ فَلاَ تُفْسِدُوا عَلَىَّ عَبْدِي. قَالُوا لاَ بَلْ نَشْتَرِيهِ مِنْكَ. فَاشْتَرَوْهُ مِنْهُ بِعَشْرِ قَلاَئِصَ ثُمَّ أَتَوْهُ فَوَضَعُوا فِي عُنُقِهِ عِمَامَةً أَوْ حَبْلاً.
فَقَالَ نُعَيْمَانُ إِنَّ هَذَا يَسْتَهْزِئُ بِكُمْ وَإِنِّي حُرٌّ لَسْتُ بِعَبْدٍ. فَقَالُوا قَدْ أَخْبَرَنَا خَبَرَكَ. فَانْطَلَقُوا بِهِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ. قَالَ فَاتَّبَعَ الْقَوْمَ وَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْقَلاَئِصَ وَأَخَذَ نُعَيْمَانَ.
قَالَ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ وَأَخْبَرُوهُ. قَالَ فَضَحِكَ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ مِنْهُ حَوْلاً. (13)
كان نعيمان الأنصاري شديد الحب لرسول الله وكان لا يدخل المدينة فاكهة إلا اشترى منها، ثم جاء بها إلى النبي، فقال يا رسول الله هذا أهديته لك، فإذا جاء صاحبه يطلب نعيمان بثمنه، جاء به إلى النبي، فقال يا رسول الله أعط هذا ثمن متاعه.فيقول النبي أولم تهده لي؟
فيقول يا رسول الله إنه والله لم يكن عندي ثمنه ولقد أحببت أن تأكله فيضحك رسول الله ويأمر لصاحبه بثمنه. (14)
ومن نوادره أن أعرابيا دخل على رسول الله وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض أصحاب النبي لنعيمان الأنصاري لو عقرتها فأكلناها وغرّم رسول الله فإنا قد اشتهينا اللحم، فعقرها النعيمان، وخرح الأعرابي فرأى راحلته فصاح واعقراه يا محمد، فخرج رسول الله فقال من فعل هذا؟ قالوا النعيمان فاتبعه ليسأل عنه حتى وجده في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وقد حفرت لها خنادق وعليها جريد، فدخل النعيمان في بعضها، فمر رسول الله يسأل عنه، فأشار إليه رجل ورفع صوته، ما رأيته يا رسول الله وأشار بأصبعه حيث هو، فأخرجه رسول الله وقد سقط على وجهه السعف وتغير وجهه، فقال ما حملك على ما صنعت؟ قال الذين دلوك علي يا رسول الله هم الذين أمروني. فجعل رسول الله يمسح عن وجهه ويضحك ثم غرّمها رسول الله للأعرابي (15)
وهذا المزاح لم يكن قاصرا على أصحابه دون أهل بيته، وإنما كان رسول الله بشوشا باسما يدخل البهجة على أهل بيته، ويغمر مجلسه البسمة والسرور، يقبل منهم المزاح ويشاركهم الضحك، فها هي عائشة تروي خبرا من بيت النبوة فتقول: زارتنا سودة يوما فجلس رسول الله بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري والأخرى في حجرها، فعملت لها حريرة فقلت كلي فأبت.
فقلت لتأكلي أو لألطخن وجهك، فأبت فأخذت من القصعة شيئا فلطخت به وجهها فرفع رسول الله رجله من حجرها تستقيد مني، فأخذت من القصعة شيئا فلطخت به وجهي ورسول الله يضحك فإذا عمر يقول يا عبد الله بن عمر يا عبد الله بن عمر فقال لنا رسول الله " قوما فاغسلا وجوهكما فلا أحسب عمر إلا داخلا " (16)
فهذا هو هديه مع أهل بيته، ثم يوجه أصحابه إلى هذا الهدي وهذه الأخلاق فيقول «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» (17)
¥