تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من السنن الإلهية في السيرة النبوية]

ـ[أسامة عبد العظيم]ــــــــ[24 - 07 - 10, 12:37 م]ـ

كثيرة هي السنن التي سير الله بها حركة الخلائق منذ أن خلقهم، سنن لا تبديل فيها ولا تغيير، جعلها الله لتنظيم سير الحياة على الأرض فغدت أقرب إلى الدليل الذي يرسم منحى عام لاتجاه حياة البشر، إلا أن قلة قليلة منهم هي التي تعي حركة التاريخ وسنن الله التي تحكم سير الخلائق، فمن تأمل رحلة الاجتماع الإنساني منذ نشأته إلى الآن يستطيع ـ بقليل جهد ـ أن يرسم منحى عام لهذا السعي البشري في إعمار الأرض وتنظيم شئونه فيها، وهذا المنحى له نقاط بارزة كأنها مؤشرات على الطريق الشاق للاجتماع الإنساني، هذه النقاط هي سنن الله تعالى .....

ورحلة الدعوة إلى التوحيد قد احتضنت بين جناحيها التطبيق العملي لهذه السنن، فرحلة الأنبياء ـ كل مع قومه بالقدر الذي صح منها ـ دافع إلى التدبر والتأمل في تلك السنن، ولما كانت تفاصيل تلك الرحلة غامضة لما شاب سيرهم المطهرة من تحريف وتبديل عبر سنوات الزمان وانتقال الرسالات بل والحضارات بين أجناس شتى في بقاع الأرض، تبقى لنا السيرة النبوية محفوظة بكل تفاصيلها وكأنها تجسيد حي للتطبيق العملي لسنن الله تعالى، فمن تأمل حياة الرسول منذ بدء الدعوة وإلى اللحظات الأخيرة من حياته يجد تجسيدا حيا لسنن الله تعالى، تجسيدا ربما استغرق قرونا في سابق الزمان، وبين الحين والحين تأتي المعجزات خارقة لكل سنة إلا أنها ما كانت لتتجاوز الاتجاه العام الذي حدد الله به حركة الاجتماع الإنساني على الأرض، ولعلنا في هذه الخاطرة العابرة نحاول أن نتوقف عند أبرز السنن الإلهية التي بدت واضحة التجسيد في السيرة النبوية، والتي تثبت أن الإسلام ليس دينا يضمن أنصاره به الآخرة فحسب، وإنما منهج يحكمون به الدنيا، ويدفعون به الباطل، إلا أن هذه المدافعة لا تتأتى إلا بإدراك سنن الله الاجتماعية في الأنفس، وسننه الكونية في الآفاق، فهي ليست أمانٍ وألفاظ، وإنما إيمان وإرادة وحسن تعامل مع سنن الله تعالى في الكون

سُنّة الأخذ بالأسباب

سُنَّةٌ رافقت الاجتماع البشري منذ اللحظة الأولى لرحلته الشاقة على الأرض، فآدم عليه السلام منذ أن وطئت قدمه الأرض غدت أفعاله مرهونة بهذه السنة، لا إدراك لآمال إلا بسعي دءوب وجهد حثيث [فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى] فالشقاء هو السعي من أجل تحقيق الغاية من الخلق، وبدون السعي لن تتحقق غاية.

أما حياة الرسول فكل أحداثها ترسم لنا منحى عام يؤصل تفعيل تلك السُنَّةٌ في كل موقف مر بالنبي، ولعلنا نقتطف من أحداث السيرة غزوة بدر لنرى فيها تلك السنة واضحة جلية، ففي الوقت الذي ظن المسلمون فيه أنهم يُساقون إلى مصارعهم، جاءتهم البشارة على لسان رسول الله بالنصر والتأييد، ومع هذا الوعد الصادق لم يعطل النبي كافة التدابير التي ترسم لهم خطوات النصر، وبدا هذا جليا في حركة الاستخبارات قبيل المعركة، وفي خطته للقتال، وفي التعبئة النفسية للمسلمين، وفي توزيع المهام وفقا للكفاءات وغير ذلك كثير من الأسباب المادية التي تقود إلى النصر، ولعلك بقليل تأمل لغزوات الرسول تدرك مدى فاعلية هذه السنة في مشوار الدعوة، وربما تظهر لك أكثر وضوحا حينما تتعرض لغزوة أحد حينما تجد أن التقصير في الأخذ بالأسباب قاد المسلمين إلى جرح غائر ظل ينزف من الجسد الإسلامي سنوات طوال ربما لم يلتئم إلا بعد فتح مكة.

ويبقى أن تتدبر قول الله تعالى [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ] فيأتي الاستعداد المادي والمعنوي شرط رئيسي لتحقيق نصر الله تعالى للمؤمنين؛ لتتأصل حقيقة كبرى من حقائق هذا الدين مفادها أن التوكل الصادق على الله لا يعني ترك الأسباب، وإنما الأخذ بالأسباب دليل على صدق التوكل ...

ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال ((إن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا قدح في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع))

سُنّة تغير النفوس

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير