وادخار حقائق العلوم عن المستحق لها فاحشة عظيمة. قال الله تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ .. } {آل عمران187}
وفي الآداب الشرعية: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُسِرُّ إلَى قَوْمٍ وَلا يُحَادِثُ قَوْمًا وَقَالَ عَمَّنْ وَعَظَ الْعَوَامَّ لِيَحْذَرَ الْخَوْضَ فِي الْأُصُولِ فَإِنَّهُمْ لا يَفْهَمُونَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْفِتَنَ وَرُبَّمَا كَفَّرُوهُ مَعَ كَوْنِهِمْ جَهَلَةً.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلا يَنْبَغِي ـ أي العالم ـ أَنْ يُمْلِيَ مَا لا يَحْتَمِلُهُ عُقُولُ الْعَوَامّ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي قُدَامَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ قَالَ: سُئِلَ الْخَلِيلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَبْطَأَ بِالْجَوَابِ فِيهَا قَالَ: فَقُلْتُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلُّ هَذَا النَّظَرِ قَالَ: فَرَغْتُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابِهَا وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجِيبَك جَوَابًا يَكُونُ أَسْرَعَ إلَى فَهْمِكَ قَالَ أَبُو قُدَامَةَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُبَيْدٍ فَسُرَّ بِهِ.
وَفِي تَارِيخِ السَّرَخْسِيِّ .. قال الشَّافِعِيَّ: لَوْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ كَانَ يُكَلِّمُنَا عَلَى قَدْرِ عَقْلِهِ مَا فَهِمْنَا عَنْهُ لَكِنَّهُ كَانَ يُكَلِّمُنَا عَلَى قَدْرِ عُقُولِنَا فَنَفْهَمُهُ.
قال ابن عقيل رحمه الله: حرام على عالم قوي الجوهر أدرك بجوهريته وصفاء نحيزته ـ طبيعته ـ علما أطاقه، فحمله أن يذهب به إلى ضعيف لا يحمله، ولا يحتمله، فإنه يفسده.
وقال النضر بن شميل رحمه الله: سئل الخليل عن مسألة، فأبطأ بالجواب فيها، قال: فقلت: ما في هذه المسألة كل هذا النظر؟ قال: فرغت من المسألة وجوابها، ولكني أريد أن أجيبك جوابا يكون أسرع إلى فهمك.
وقال الربيع رحمه الله: سمعت الشافعي يقول: لو أن محمد بن الحسن كان يكلمنا على قدر عقله ما فهمنا عنه، لكنه كان يكلمنا على قدر عقولنا فنفهمه.
فينبغي على الداعية الفطن أن يسالم العوام بالموعظة، وإياه والمشتبهات والغرائب، وما لا تحتمله عقولهم.
ويقول صاحب الحكمة في الدعوة إلى الله:" فدراسة البيئة والمكان الذي تبلغ فيه الدعوة أمر مهم جدًّا، فإن الداعية يحتاج في دعوته إلى معرفة أحوال المدعوين: الاعتقادية، والنفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، ومعرفة مراكز الضلال ومواطن الانحراف معرفة جيدة، ويحتاج إلى معرفة لغتهم، ولهجتهم، وعاداتهم، والإحاطة بمشكلاتهم ونزعاتهم الخلقية، وثقافتهم، ومستواهم الجدلي، والشبه التي انتشرت في مجتمعهم، ومذاهبهم.
والداعية الحكيم يكون مدركًا لما حوله، مقدرًا للظروف التي يدعو فيها، مراعيًا لحاجات الناس ومشاعرهم، وكل أحوالهم."
يتبع .........
ـ[أ. د.عبد الفتاح خضر]ــــــــ[13 - 06 - 09, 09:22 م]ـ
ويقول صاحب خطبة الجمعة ودورها في حياة المسلم:
"ليس كل ما يعلم يصلح أن يقال في أي حال، فلكل مقام مقال، وما يخاطب به فئة العوام غير ما يخاطب به المثقفون، وما يخاطب به الشباب غير ما يخاطب به الكهول، وما يتكلم به في مناسبة الجهاد، غير ما يتكلم به في مناسبة العرس والزواج، فعلى الخطيب أن يكون ذا نظرة ثاقبة للأمور، يحسن تقدير الظروف، وقياس المؤثرات والطبائع.
فلا بد من مراعاة نوعية الخطاب، ونوعية المخاطب، أو نوعية العلم، ونوعية المتلقي لهذا العلم.
قال الشاطبي: "ومنه أن لا يذكر للمبتدي من العلم ما هو حظ المنتهي، بل يربي بصغار العلم قبل كباره، وقد فرض العلماء مسائل مما لا يجوز الفتيا بها إن كانت صحيحة في نظر الفقه ".
ويقول مصنّفوا الأمة بين سنتي الابتلاء والعمل:
¥