تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأشار إليها أيضا ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فقال " إِنَّ اللَّه بَعَثَ مُحَمَّدًا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، فَلَمَّا صَدَّقَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ زَادَهُمْ الصَّلَاة، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمْ الصِّيَام، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهِ زَادَهُمْ الزَّكَاة، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمْ الْحَجّ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهِ زَادَهُمْ الْجِهَاد، ثُمَّ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينهمْ فَقَالَ {الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا} "

فالقرآن لم ينزل جملة واحدة، والتكاليف لم تُفرض مرة واحدة، وإنما أنزلها الله تباعا طيلة فترة الرسالة، واقتضت حكمته سبحانه أن يفرض التكاليف كحلقات متتالية، فتأتي الصلاة قبل الزكاة، ويأتي الصيام قبل الحج وهكذا، حتى التحريم لم يخل من التدرج، حتى إذا تكاملت جوانب الإيمان، جُمعت كل التكاليف واتضحت ملامح الدين وكملت شرائعه.

سُنّة الله في الاجتماع

قال تعالى [وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] ولا تنازعوا فتفشلوا، نتيجة حتمية للنزاع والشقاق، الفشل والإخفاق لا يصاحب إلا كل فرقة وانقسام، وهو بعيد كل البعد من الوحدة والاجتماع، فالناس إن لم يجمعهم الحق شعَّبهم الباطل، وإذا لم توحِّدهم عبادة الرحمن فرَّقتهم غواية الشيطان، وإذا لم يستهوهم نعيم الآخرة اجتالهم متاع الدنيا فتخاصموا عليها، وما من أمة من الأمم التي صنعت لها اسما في سجل البشرية عبر القرون إلا وهذه السنة عاملة فيها، إنها سنة الاتحاد والاجتماع، فما استقام بنيان يطوف أحد أركانه في غير فلك باقي الأركان، وقد بدا هذا جليا في مجتمع المدينة الذي غدا وكأنه قلب واحد في صدور عدة، بعدما عاش العرب قرونا في ظلمات الجاهلية في فرقة وشقاق وتخاصم وعداء، فعقدين من الزمان تحت راية التوحيد كانت كافية لصنع أمة تقود البشرية قاطبة، ونفس الأمة كانت على هامش الحضارة بل هامش البشرية قاطبة قبل الإسلام.

سُنّة الله في أهل الذنوب

قال تعالى [أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ]

وهذه حقيقة ثابتة وسُنّة مُطردة، أن الله يسلط على الظالمين من يبيد سلطانهم جراء بطشهم وتجبرهم، ويهلكهم بذنوبهم، وقد سلط الله المسلمين على مشركي العرب، ثم على الفرس والروم، وكتب لهم التمكين عندما حققوا شروطه وأخذوا بأسبابه [وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] وتلك سنة الله الباقية في أهل المعاصي

سُنّة الله في الانتقام من الطغاة

إن الله عز وجل يُمهل الظالمين والطغاة، لكنه لا يهملهم، يتركهم حتى يتجبروا ويظن الناس ألا قادر عليهم، وفي حينها يأخذهم أخذ عزيز مقتدر؛ ليجعل في هلاكهم العبرة والعظة لمن جاء بعدهم كي لا ينتهجوا نهجهم، فهذا فرعون الذي أدّعى لنفسه الألوهية [فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآَخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى]

وقوم عاد الذين طغوا في البلاد [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ]

وأصحاب الفيل [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ]

إنها سنة الله الباقية في الانتقام من الطغاة والظالمين، يرصد لهم، ثم يجازيهم بما كسبوا، فهذا أبو جهل كم طغى وتجبر، كم آذى وعذب المستضعفين من المسلمين، كم سخر واستهزأ بخاتم النبيين، كم عادى وحارب أنصار هذا الدين، كم فكر وقدر لإبادة هذه الدعوة واستئصالها، فكيف كانت نهايته؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير