يُقتل شر قتلة، ثم يُلقى كالجيفة النتنة مع كل من ساعده على تجبره، وكل من سار على دربه وسلك نهجه، لتبقى سنة الله واضحة جلية لكل من يتدبر.
سُنّة الله في المترفين
قال تعالى [وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا] فمتى حان وقت إهلاك الله لأمة كثر فيها الطغاة هيأ لهم من يهديهم إلى سبيل الرشاد ـ نبي كان أو داعية ـ فإن أعرضوا فلا حجة لهم ولا عذر، ورغم أن الأمر شمل الجميع، فقد خص الله المترفين المتنعمين والمتجبرين والملوك والطواغيت من أهلها، لأنهم أئمة الفسق ورؤساء الضلال، وما وقع من سواهم هو جراء أتباعهم، فهذه قريش التي ساق الله تعالى إليها النعم، ومَنّ عليها بالأمن، وخرج منها خاتم الرُسل، فما كان من سادتها ومترفيها إلا التكبر والفسوق، فحقّ عليهم سُنّة الله بالانتقام منهم واستخلاف غيرهم، وهذه السُنّة باقية نراها حية جلية في كل عصر ومكان، ينتقم الله من المترفين المنعمين، أصحاب القصور ولا يملكون إيمان دابة.
سُنّة الله في الظلم والظالمين
وهذه السُنّة ماضية في الأشخاص والأمم على السواء، قال تعالى [ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ]
وقال النبي:: إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»
فما مكة في فجر الدعوة إلا إحدى صور مجتمع الشرك الذي طغا وتجبّر وجارى الأمم الفاسقة في طغيانها، فجرت عليها سنة الله بإهلاكها.
لذا قيل: إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً، وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً.
وَقيل: الدُّنْيَا تَدُومُ مَعَ الْعَدْلِ وَالْكُفْرِ وَلَا تَدُومُ مَعَ الظُّلْمِ وَالْإِسْلَامِ.
سُنّة الابتلاء
وهذه السُنّة بدت واضحة جلية في كل يوم من عمر الرسالة، حينما أخذت الأحداث تموج بالنبي وأصحابه بين صنوف شتى من الابتلاءات، فما أثنتهم تلك الابتلاءات عن أهدافهم وما زعزعت عقيدتهم، بل إن الابتلاءات كانت تزيدهم ثباتا وتمسكا حينما غدت دروسا للتربية الإيمانية، وسرعان ما طُويت صفحات الابتلاء وصاحبه النصر والتمكين، فالنصر مع الصبر، واليسر بعد العسر، والتمكين بعد الابتلاء.
سُنّة التدافع بين الحق والباطل
فالصراع والمدافعة بين الحق والباطل سُنّة ربانية، وهي التي يعبر عنها علماء الاجتماع بتنازع البقاء، وأن البشر في صدام مستمر يفيد في النهاية إلى زوال طرف وبقاء آخر فترة من الزمان، وإذا كان البقاء للباطل فهو إلى أن تظهر دولة الحق التي تحكم بالعدل، فما بقاء دولة الباطل إلا لغياب أنصار الحق، وهذا التدافع بين الناس قد بدأ مع بدء الخليقة، منذ أن أُهبط آدم إلى الأرض وهبط معه إبليس؛ لتكون الأرض ساحة صراع طويل بين حزب الله وحزب الشيطان، بين أنصار الحق ودعاة الباطل، فالتدافع إذن سنة إلهية ملازمة للبشر منذ اليوم الأول على الأرض، والحكمة من هذه السنة هو دوام التمحيص [وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ]
وما من نزاع بين أنصار الحق وأنصار الباطل إلا هو إحدى حلقات الصراع الأبدي بين الخير والشر، تراه واضحا جليا في سيرة الرسول وفي رحلة الفتوحات وفي كل صراع جمع بين نقيضين أحدهما حق .................
هذا ما يسر الله لي الحديث عنه، ولعل الطريق يجمع بيننا ثانية في رحلة الحياة الشاقة، وفي حينها قد نكمل ما قد بدأناه، أما إذا غابت كلماتي عنكم فاعلموا أنيّ في حينها بحاجة إلى دعائكم فلا تحرموني .............................
أسامة عبد العظيم