كان عثمان ـ رضي الله عنه ـ من أخيار الصحابة يريد أن يبين للناس خطأ ما يقولونه ويفند فقال: لأقومن في الناس مقاما لا أدع شاردة وواردة إلا أتيت عليها يريد أن يبين للناس، قال عبد الرحمن - رضي الله عنه -: فقلت: يا أمير المؤمنين! لا تفعل؛ فإن الموسم يجمع رَعاعَ الناس وغوغاءهم؛ فإنهم هم الذين يغلبون على قُرْبك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيِّرها عنك كل مُطَيِّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها؛ فأَمْهِلْ حتى تَقْدُمَ المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنة فَتَخْلُصَ بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكناً، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر - رضي الله عنه -:أما والله-إن شاء الله-لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة {الحديث رواه البخاري}
وقد جعل الشاطبي الكلام في موضعه من السنة وجعل الكلام في غير موضعه جعله من البدع كما ذكر ذلك في الاعتصام استدلالا بحديث النبي عليه الصلاة والسلام في حديث علي عند البخاري: «حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟» وحديث ابن مسعود في مسلم قال: «ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة»، وهذا أمره واضح.
يقول الشيخ سعيد ثابت في الجوانب الإعلامية في خطب الرسول صلى الله عليه وسلم
وتختلف مصادر الاستشهاد تبعا لطبيعة الجمهور المستهدف, فمصادر الاستشهاد في خطبة الصفا شيء وفي خطبة حجة الوداع شيء آخر , ففي الأولى كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخاطب مجتمعا لا يقيم للوحي وزنا , ولذلك لم يستشهد بآية من كتاب الله , وإنما أقام على الدليل العقلي , وجعلهم إذا أعرضوا عن دعوته تناقضوا مع ما يسلمون به عقليا ومنطقيا في مجتمعهم الذي أجمع على أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصادق الأمين والحكم العدل، أما خطبة أول جمعة وخطب الغزوات وخطبة الفتح وخطبة حجة الوداع فكان الجمهور المتلقي جماعة المسلمين ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسوق الشواهد والحجج من آيات الله والوحي بشقيه.
يعلق الشيخ فؤاد بن عبد العزيز من خلال كتابه المعلم الأول صلى الله عليه وسلم وذلك من خلال إيراده لحديث ابن مسعود (ما أنت محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) فيقول:
" والمعلمون لهم نصيب من ذلك، وعليهم عبء كبير، إذ إن على المعلم أن يجتهد في تبسيط المسائل، وصياغة الألفاظ بعبارات واضحة مفهومة تناسب مستوى طلابه، كي لا يقعوا في حيرة من أمرهم، ولكي لا يصعب العلم عليهم ... ثم يقول:" والممارس لمهنة التعليم يلحظ فروقًا بارزة بين الطلاب، ومن مهام المدرس أن يستطيع معرفة نفسية واستعداد كل طالب، وما يقدر عليه، وهي خصيصة من خصائص المدرس الناجح.
وقد قرر الآجري هذه القاعدة بقوله - عن مقرئ القرآن -: " وينبغي له أن يستعمل مع كل إنسان يلقنه القرآن ما يصلح لمثله ".
ففي جانب حفظ القرآن الكريم تجد بعض الطلاب لديه قدرة على حفظ خمس آيات في اليوم، وبعضهم لديه قدرة على حفظ صفحة، وبعضهم لديه قابلية لحفظ ثلاثين آية أو أكثر، ولنا شاهد في عز الدين بن جماعة (ت: 819 هـ)، الذي كان يحفظ كل يوم حزبين من القرآن الكريم، فحفظه في شهر واحد، وفي جانب الفهم، تجد بعض المتعلمين يفهم بتقرير يسير من المدرس، وبعضهم يحتاج لبسط وتوضيح وإعادة، وبعضهم يحتاج لأمثلة بيانية.
ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتاب العلم
وينبغي للمعلم عند نشر العلم أن يكون حكيمًا في التعليم، بحيث يلقي على الطلبة المسائل التي تحتملها عقولهم فلا يأتي إليهم بالمعضلات، بل يربيهم بالعلم شيئًا فشيئًا.
ولهذا قال بعضهم في تعريف العالم الرباني: العالم الرباني هو: الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
ونحن نعْلَمُ جميعًا أن البناء ليس يؤتى به جميعًا حتى يوضع على الأرض، فيصبح قصرًا مشيدًا بل يبنى لبنة لبنة، حتى يكتمل البناء، فينبغي للمعلم أن يراعي أذهان الطلبة بحيث يلقي إليهم ما يمكن لعقولهم أن تدركه، ولهذا يؤمر العلماء أن يحدثوا الناس بما يعرفون.
يتبع ..........
ـ[أ. د.عبد الفتاح خضر]ــــــــ[13 - 06 - 09, 09:24 م]ـ
الحلقة الأخيرة:
تعليقا على ما ذكرته أقول:
لا حظت أن بعض الخطباء يتقعر على المنبر فيأتي بالغريب والصعب الذي لا يُفهم وهذا ليس على هدي الآية الكريمة.
فالكلام المليح المسجوع له روعته وسطوته على الآذان وسرعان ما يغادرها دون رجعة، ودون أن يترك أدنى فائدة.
ـ ولا حظت بعض الخطباء يسف في خطابه فلا يحرك لسانه إلا بالخطأ والكلام المعجم والألفاظ "المحلية" فلا يفهمه إلا القليل.
ـ كما لاحظت أن من درس مجتمعه فخاطب مجتمع المثقفين بخطابهم، وأعد لأنصاف المثقفين ما يتناسب معهم ـ دون تفريط ـ وجعل لكل مقام مقال، فأوجز في موضع الإيجاز وأسهب عندما يفيد الإسهاب، وخاطب الأحرار بما لا يخاطب به المسجونين.
وخاطب المدنيين بغير خطاب العسكريين ... وهلم جرا.
قلت: هذا الأخير هو من عَرَف فالتزم، وخاطب فأثمر خطابه
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.