[موعظة رمضان الأندلسية]
ـ[هشام زليم]ــــــــ[30 - 07 - 10, 02:05 ص]ـ
[موعظة رمضان الأندلسية]
بقلم هشام زليم المغربي.
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمد و على آله و صحبه أجمعين و من اهتدى بهديه و استنّ بسنّته إلى يوم الدين.
أما بعد:
بسقوط غرناطة سنة 1492م بيد النصارى سقطت آخر دولة إسلامية تحمي الإسلام بالأندلس و استفرد الصليبيون الحاقدون بالأندلسيين المسلمين و ساموهم سوء العذاب و فرضوا عليهم التنصّر و اعتناق العقيدة الكاثوليكية و منعوهم من إبداء أدنى مظهر إسلامي: فالزي الإسلامي استبدل بالقشتالي, و الأسماء العربية استبدلت بالإسبانية, و الوجوه الحيية المحتشمة أُكرهت على السفور , و مُنعوا من الصلاة و الصيام و التطهُر و الاحتفال بالأعياد الإسلامية و بدل ذلك و بصفتهم مسيحيين جدد وجب عليهم التوجّه كل يوم أحد إلى الكنيسة لسماع الوعظ النصراني الذي يمجّد فيه الخمر و لحم الخنزير و الصليب, و من خالف هذه الأوامر المقدّسة –زعموا- فالموت مصيره حرقا أو شنقا, و لو أبدت محاكم التفتيش رأفة بالمتهم فستصادر كل ممتلكاته أو تسجنه أو ترسله لأداء الأعمال الشاقة بالمناجم في أمريكا أو التجديف في السفن.
و لم يتوقف طغيان محاكم التفتيش عند هذا الحد بل رأت أن هذه الإجراءات لم تزد الأندلسيين إلى تمسّكا بدينهم الحنيف فقررت منع استعمال اللغة العربية بين الأندلسيين, هذه اللغة التي كانت تزودهم من خلال الكتابات التي يحفظونها بالعزيمة و الصبر و أكثر من ذلك تمكّنهم من حفظ الإسلام في القلوب.
وفعلا صدرت قوانين حرّمت على الأندلسيين التخاطب أو الكتابة بالعربية و أمرتهم بتسليم جميع الكتب المكتوبة بها. ويمكن القول أن محاكم التفتيش نجحت في نيل مبتغاها الرامي لفصل الأندلسي عن مصدر عقيدته المسطور في الكتب بل ربما نجحت في إبادة اللغة العربية بالأندلس لكن الأندلسيين كانوا –بفضل الله و منه و كرمه- أذكى من رهبان المحاكم فقد استطاعوا ابتكار لغة بين العربية و القشتالية تسمى الألخميادو – تحريف إسباني لكلمة "أعجمي" – و هذه اللغة هي القشتالية مكتوبة بالحروف العربية و لها قواعد و أصول خاصة بها. و قد استخدم الأندلسيون هذه اللغة في مخاطباتهم و كتاباتهم. و كانت لغة سرية إلى حد أن الإسبان لم يكتشفوا وجودها إلا في القرن الثامن عشر أي بعد 200 سنة على وضعها.
و قد عمل الأندلسيون على حفظ الدين الإسلامي من الاندثار بواسطة اللغة الألخميادو فقد ترجموا القرآن العظيم و السنة النبوية و دروسا في الفقه و السيرة و الشعر و الأدب و التاريخ ...
و قد كانت لرمضان في كتابات الألخميادو مكانة مهمة حيث عملوا على إبراز فضله و وجوب صيامه و احترام أركانه و استحباب قيامه و الإكثار من الخيرات فيه.
و قد حفظت مكتبة مدريد الوطنية نصا بالألخميادو لكاتب أندلسي مجهول يحث فيه بني قومه من الأندلسيين المسلمين على صيام رمضان و يبين لهم فضله و شروط أدائه و يعظهم موعظة حسنة شافية وافية.
يذكر الدكتور سري محمد محمد عبد اللطيف الأستاذ بكلية اللغات و الترجمة بجامعة الأزهر: " إن نصوص الأدب الألخميادو تعطي لنا انطباعا في بعض الأحيان أن المورسكيين (1) كانوا أساتذة في الشريعة الإسلامية و مذاهبها نظرا لما تنم عنه من معرفة تامة بعلوم الإسلام المختلفة من فقه و عقيدة و قرأن و أحاديث و معاملات ... إلخ لدرجة تجعلنا نفكر أحيانا أن هؤلاء الناس لم يكونوا فقط على مستوى غيرهم من المسلمين في بلاد أخرى, بل إنني أستطيع أن أقول – غير مبالغ – أنهم كانوا أعلم بمبادئ دينهم و أكثر تمسكا بها من كثير من المسلمين الذين عاشوا في ظروف أفضل كثيرا من التي عاشها المورسكيون و توفرت لهم حرية القراءة و العلم و الإطلاع على التراث الديني و هو ما يحرّم على المورسكيين بأوامر محاكم التفتيش". (2)
فلعلي أترككم مع مقتطفات من موعظة هذا الأندلسي المجهول حول رمضان و التي كتبها بلغة الألخميادو و قد ترجمها الدكتور سري عبد اللطيف جزاه الله خيرا. و هي موعظة لي قبل كل شيئ و موعظة لإخواني لعلنا نجتهد في طاعة الرحمان في شهر رمضان.
يقول الأندلسي المجهول:
¥