"و شهر رمضان يا إخواني هو شهر طهارة الأجساد من الذنوب طهارة كاملة, و هو شهر الخير و الغفران و الامتنان من الله, و هو شهر إعانة الفقراء و إكرام الضيف و شهر تفتح فيه أبواب الجنات و تغلق أبواب النيران و تسلسل فيه الشياطين و هو شهر الأمن و الإيمان و قراءة القرآن تضاء فيه مساجد الرحمان و يكرم فيه ابن السبيل و يعطف فيه على المريض." (3)
" أيها الأخوة الأحباب عندما يهل علينا شهر رمضان المعظم يجب أن تصوم جوارحكم عن الذنوب و الخطايا كما تصوم بطونكم عن الطعام و يجب عليكم – كما تفطرون عند الليل بتناول الطعام –أن تشكروا نعمة الله عليكم, و كذلك يجب عليكم أن تقوموا ليله مصلين كما تقضوا نهاره صائمين" (4)
"عباد الله ... اغتنموا هذا الشهر, فهو شهر عند الله عظيم ووعد الله فيه عباده بالجزاء العظيم و وعدهم بمغفرة الذنوب و العتق من النار" (5)
" و لا يفهمن أحد أن الصيام مجرد امتناع الإنسان عن الأكل و الشرب و جماع الزوجة, بل عليه أن يعلم بوجوب صيام عينيه و لسانه و سمعه و يديه و رجليه و سائر الجوارح" (6)
" و عليك أن تعلم أن صيام العينين هو ألا تنظر بهما إلى حرام , و ألا تنظر إلى مسلم أو مسلمة بعين الكبر و الاحتقار أو التهديد و صوم اللسان هو أن تمتنع عن الكذب و اللغو و أن تتجنب الغيبة و النميمة و فحش القول و صيام السمع هو ألا تستعمله في سماع السوء أو التصنت على الخلق و صيام اليدين هو ألا تمدهما لأذى أحد من المؤمنين و ألا تأخذ بهما ما ليس من حقك و أن تستعملهما في إرضاء الله تعالى و صيام القدمين هو ألا تمشي بهما لتضر أحدا و لا تستعملهما إلا فيما يرضي الله.
و أخيرا يجب أن تصوم كل جوارحك عن الحرام و أن تُسَخّر كل أعضائك في الأعمال التي خلقها الله من أجلها و بهذا تنال الجزاء كاملا على صومك إن شاء الله. أما إذا فعلت غير ذلك فإنه يخشى أن يضيع ثواب صومك.
فيا عباد الله ... اغتنموا الخير كله في هذا الشهر الكريم, و لا تقضوا أيامه في الغيبة و النميمة و سوء القول و لا يمنعكم الكسل أن تقوموا الليل للصلاة و احذروا من أن تفطروا على حرام." (7)
و إذا علمنا الظروف الصعبة التي كانت تعيشها هذه الطائفة من المسلمين بين ظهراني النصارى ازداد تعظيمنا لهذه الموعظة التي تطالبهم بصيام رمضان حق صيامه علما أن النصارى كانوا يوشون إلى محاكم التفتيش بكل من تظهر عليه علامات الإسلام. و هذا ما يفسّر ارتفاع عدد الأندلسيين الذين كانت تحاكمهم محاكم التفتيش في شهر رمضان. فقد أبوا إلا أن يصوموه و ليحدث ما يحدث بعد ذلك. (راجع موضوعي "محنة الأندلسيين لصيام رمضان" ففيه ذكر محن من صاموا هذا الشهر الفضيل).
كتبه أبو تاشفين هشام بن محمد المغربي.
الهوامش
(1) المورسكيون هي كلمة أطلقها الإسبان على الأندلسيين الذين بقوا في الأندلس بعد سقوط غرناطة.
(2) مداخلة الدكتور سري محمد محمد عبد اللطيف في المؤتمر العالمي الخامس للدراسات المورسكية-الأندلسية المنعقد سنة 1993 بزغوان بتونس. ص 158 - 159.
(3) (المخطوط رقم 5223 لمكتبة مدريد الوطنية, رقم32 ظهر و 133 وجه.)
(4) (المخطوط رقم 5223 لمكتبة مدريد الوطنية, رقم 133 وجه.)
(5) (المخطوط رقم 5223 لمكتبة مدريد الوطنية, رقم 135 وجه.)
(6) (المخطوط رقم 5223 لمكتبة مدريد الوطنية, رقم 136 وجه.)
(7) (المخطوط رقم 5223 لمكتبة مدريد الوطنية, رقم138 ظهر و 136 وجه.)
تنبيه: هذا المخطوط رقم 5223 قام بترجمته من الألخميادو الدكتور سري عبد اللطيف أستاذ اللغات و الترجمة بجامعة الأزهر. و ذلك في موضوعه الذي طرحه في المؤتمر العالمي الخامس للدراسات المورسكية-الأندلسية سنة 1993 المنعقد بمدينة زغوان بتونس.
كتبه هشام زليم المغربي.